Author

وهم الوطنية في التوطين

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
بينت مناقشات زيادة الرسوم على اليد العاملة الوافدة إلى 2400 ريال سنويا، كثيرا من الأوهام لدى بعض أصحاب أو بعض طالبي العمل. من أكبر هذه الأوهام التي أبداها كثيرون توقع سعودة تستند إلى وطنية صاحب العمل، أو وطنية العامل الموظف (بفتح الظاء). التصرفات الاقتصادية للوحدات، من أفراد وعائلات ومؤسسات وشركات، تقوم على أسس (أو افتراضات) أهمها البحث عن أعلى مصلحة، وهذا يتضمن اعترافا بأن تصرفاتنا الاقتصادية تحكمها الأنانية. وعلى أساس الأنانية قام العرض والطلب، أو قل قانونهما. وبدون الأنانية يسقط هذا القانون. ماذا يعني ذلك بالنسبة للتوظيف؟ التصرفات الاقتصادية في التوظيف تقوم على أسس أهمها أن الزبون (الوحدة الاقتصادية) يبحث عن أفضل وأنسب الأسعار والأجور. الزبون قد يكون التاجر، وقد يكون الباحث عن عمل. إذا وضعت سياسات للتوظيف والسعودة مبنية على افتراض أن الوطنية وحب المساعدة من قبل أصحاب الأعمال أولى لديهم بالاعتبار من تحقيق مصالحهم، فاحكم على تلك السياسات بالفشل. وكذلك إذا نظر مسؤولون حكوميون أو طالبو عمل إلى أن أصحاب الأعمال يفضلون توظيف فئات بعينها، كجنسيات بعينها، أو أنهم يحاربون السعودة لذات السعودة، فهذا وهم في وهم. المنطلق الأول لدى رجال الأعمال أولئك هو بحثهم عما يحقق مصالحهم بدرجة أعلى. وبالمثل، إذا وضعت السياسات على افتراض أن الوطنية لدى الباحثين عن عمل أولى لديهم بالاعتبار من تحقيق مصالحهم، فاحكم على تلك السياسات (أو الرؤى في توظيف السعوديين) بالفشل. فشل كثير من جهود السعودة خلال السنوات الماضية يعود في بعضه إلى وهم الوطنية لدى كثيرين من كل طرف في الموضوع. الغالبية العظمى من مؤسسات القطاع الخاص قامت ونمت خلال العقود الماضية على أساس تحقيق أعلى مصلحة لصاحب المؤسسة، حتى وإن تعارضت مع مصلحة المجتمع في توظيف السعوديين. وبالمثل، تكالب غالبية السعوديين (ما يبدو لنا كذلك) على الوظيفة الحكومية والشركات الحكومية أو شبه الحكومية، لأن العمل فيها يحقق ما يرونه مصلحة أعلى لهم. هم يرونها تحقق مصالحهم أكثر من الشركات الصغيرة، حتى ولو كانت الوطنية أو مصلحة الاقتصاد الوطني تتطلب خلاف ذلك. دلت الإحصاءات والدراسات - كما دلت المشاهدة البسيطة - على أن المنشآت تتفاوت كتفاوت البشر في أرزاقهم، وفي صحتهم وفي أخلاقهم وفي إيمانهم. هناك المصانع الكبرى والمصارف والشركات الأخرى الكبرى، وبالمقابل، هناك أضعاف أضعاف الشركات الكبرى من المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم. نمط العمل في الشركات والمؤسسات الصغيرة يناسب توظيف غير السعودي أكثر. وتلك المؤسسات لا تقدر على توفير مناخ وظيفي منافس لأسباب كثيرة. التدرج في التشديد على تطبيق السعودة أنجع، مقابل التشديد المتدرج في شروط من يسمح باستقدامه، أو يسمح بتجديد إقامته. وفي هذا، يجب إعطاء مزيد اهتمام وتشديد في فرض اشتراطات علمية ومهنية (أو تقوية الاشتراطات الموجودة) على من يسمح باستقدامه أو تجديد إقامته. وفي هذا ينبغي زيادة الاهتمام بتطبيق معايير انتقائية وتصنيف واختبارات تعمل على رفع مستوى العمالة المستقدمة إلينا، وهذا بدوره يرفع تكلفة الاستقدام. مثلا، بالنسبة لسائقي شركات الليموزين، لماذا لا يربط تجديد عقودهم باجتياز اختبارات في اللغة العربية؟ وهكذا. لكنني أرى أن هذه الحلول، لا تعالج مشكلة خلل بنية سوق العمل في بلادنا، ومن أهم أسباب هذا الخلل نظام الكفالة الخاصة الذي جر مساوئ كثيرة. مطلوب إلغاء تدريجي للكفالة الخاصة، لتناط بجهة عامة. الهدف جعل التوظيف خاضعا لقوى السوق، ويتزامن مع ذلك تقليص شديد في عدد التأشيرات السنوية الجديدة للعمل. وبالله التوفيق.
إنشرها