Author

الطريق الأفضل والمستدام للسعودة

|
ما من بلد في العالم متشبّع بالقوى الوطنية 100 في المائة، سواء كان متقدماً أو من البلدان الأفقر، لأسباب عديدة تفرضها ظروف سياسية ومعيشية ومستوى من التنمية، يتطلب عمالة وافدة على نحو من الأنحاء. وإذا كان حديث السعودة عندنا قد استنفد قرابة أربعة قرون، وخضع لعلاجات وعقاقير إدارية متعددة تستهدف في الأساس حل مشكلة البطالة عن طريق الإحلال، خصوصاً في القطاع الخاص، ومع ذلك ما زالت السعودة تراوح مكانها، بدليل كثافة الوافدين التي بلغت ثمانية ملايين عامل، وأن وزارة العمل بآلية صندوق الموارد البشرية لم تستطع بلوغ قدر مقبول من السعودة، ليس في القطاع الخاص وإنما حتى القطاع الحكومي، وبالذات في الشركات التي تمتلكها الدولة مثل "أرامكو" و"سابك"، فذاك يعني أن السعودة لا تعاني فقط أزمة في الإحلال، وإنما أزمة في هيكل العمل المولد لفرص وظيفية تستجيب لمخرجات التعليم العالي وكليات التقنية التي ليس بوسع هيكل العمل الراهن أن يستوعبها، بحكم التخصص العلمي والمهني والمستوى التعليمي غير القابل للتشغيل، لعدم وجود ما يشتغل فيه حقاً ولعدم قدرة المنشآت ذاتها على دفع أجور مجزية تتناسب والمستوى التعليمي ومستوى المعيشة في الوقت نفسه. هذا يعني أن السعودة ستظل تدور في حلقة مفرغة، وكلما تم إحلال جزء من القوى الوطنية لن يتناقص الطلب على الوظائف، بل سيزداد بحكم نوعية ومستوى مخرجات التعليم العالي، سواء كان من جامعات الداخل أو من الخارج .. وطبعاً ذلك يعيدنا إلى معضلة هيكل العمل القابل لأن يجعل السعودة مستدامة لا تواجه بحاجز صد منشآت هيكل أعمالها غير قابل للاستيعاب، لكونها أعمالاً تقليدية وهياكلها محدودة السعة والقدرة وليس من سبيل لتجاوز حائط الصد هذا، إلا بترجمة فعلية لمصطلح استدامة التنمية من خلال ترجمة معزوفة تنويع القاعدة الاقتصادية، بحيث تتولى الدولة بنفسها هذا التنويع بخلق قطاع إنتاجي صناعي ثري التنوع، واسع السعة عال في قدراته ومقدراته، فتنويع القاعدة الاقتصادية الذي ظل هدفاً تنموياً منذ عقود، حين يصار جدياً إلى تحقيقه، سيعني نجاحاً في التوجه العملي لاستدامة التنمية التي باستدامتها ستخلق احتياجاً دائماً ومستمراً لقوى وطنية لم تعد بسيطة المستوى في التعليم والتأهيل، بل إن أجيالاً منها أخذت تتكاتف على هذا الطريق. التوجه نحو الصناعة والتقنية، هو ما سيعني تحويلاً لرأس المال إلى أصول إنتاجية، والتي هي بذاتها الضمان نحو الاقتصاد وتعاظم الثروة الوطنية، وبالتالي استدامة التنمية بعيداً عن الاتكاء على مورد النفط .. ومن هنا لن تصبح السعودة لهاثاً ورجاءً (حتى لا نقول استجداءً) للقطاع الخاص لكي يتكرّم بنسبة من السعودة هنا أو هناك، بل سيكون التنويع بذاته متلهفاً على القوى الوطنية الآخذة في امتلاك تعليم وتأهيل لا مكان له إلا في التنويع ولا يقوى هذا التنويع ضمان ارتقائه الاقتصادي إلا بهذه القوى، لأن المصلحة حينئذ ستكون مشتركة بين القوى الوطنية التي ستجد مكانها اللائق عملاً ومؤهلاً ومرتباً في منشآت التنويع مثلما أن عناقيد التنويع الصناعي والتقني ستطمئن إلى أن التشغيل سيكون بأيد أمينة يهمها الإبداع والتنافس في تحقيق الامتياز بمعيار الكفاءة الإنتاجية. إن المعركة الحالية مع السعودة أشبه ما تكون بمحاربة طواحين الهواء .. فإذا كانت طواحين الهواء ليست أعداء حقيقيين كما كان يتوهم "دونكشوت"، فإن فرص العمل التي تناطحها سياسة السعودة اليوم ليست فرصاً حقيقية، ليس لأنها غير موجودة أو دون أجر، وإنما لأنها دون قابلية للاستدامة الاقتصادية، لكونها في الغالب فرص عمل شكلية مكتبية أو إدارية بسيطة أو مهنا متواضعة عرضة للتقلص أو حتى الاختفاء بتقلص أو اختفاء نشاط هذه المنشآت الخاصة غير النوعية. مرة أخرى .. اتجاه السعودة سيظل يراوح مكانه في عناء وسجال دائمين .. وحان للسعودة أن يتغير اتجاهها باستدامة لن يحققها إلا تنويع القاعدة الاقتصادية ولا غير!
إنشرها