Author

معدل النمو الاقتصادي.. البشير النذير

|
من المؤكد أن الرغبة في زيادة معدل النمو الاقتصادي شأن يهم الجميع، وهو بدرجة أشد مما يشغل بال أهل الاقتصاد وصُناع القرار في بلادنا.. وطبعاً في المقابل الرغبة في كبح جماح التضخم راسخة أيضاً. غير أننا في بلد مثل المملكة شهد على مدى السنوات العشر الماضية ارتفاعاً في مداخيل النفط لتصاعد أسعاره ولكمية ما تصدر السعودية منه، وتم توجيه مليارات الريالات في إنفاق هائل يتواصل على مشاريع التنمية وبرامجها؛ ما أحدث حراكاً استثمارياً وتجارياً نشطاً، لكنه في المقابل أحدث انعكاساً سلبياً على ارتفاع نسبة التضخم بجانب السبب الخارجي الناجم عن موجة الغلاء العالمي والأزمة الاقتصادية. بين محاولة زيادة معدل النمو الاقتصادي ولجم التضخم يحتل الاتفاق علاقة ارتباط بين الاثنين.. فمن ناحية دفع هذا الاتفاق الهائل على مشاريع التنمية إلى زيادة في معدل النمو الذي مصدره مورد أو سلعة واحدة هي النفط، بمعنى أنه من الناحية الاقتصادية الفعلية لا يشير إلى مدخلات إنتاجية حقيقية أدت إلى ارتفاعه، ويمكن القطع بوجودها في مكونات ومركب الهيكل الاقتصادي، أي أن معدل النمو بتزايده الظاهر مؤشر على مفاعيل الإنفاق وليس الإنتاج، ما يعني أن حدوث انكماش في مسار الإنفاق سيؤدي بالضرورة إلى تناقص في معدل النمو ما لم تكن سياسة الإنفاق قد استنهضت مشاريع صناعية وحواضن تقنية قادرة على إنتاج ثروة، وليس فقط الاعتماد على عوائد النفط، بل حتى الصناعات القائمة عليه. إن مؤشر النمو الاقتصادي في حالة المملكة هو معيار الدلالة على إذا ما كانت التنمية قد استطاعت تنويع قاعدتها الاقتصادية أم لم تستطع بعد.. فتحليل الهيكل الاقتصادي أو مكونات الدخل الإجمالي سيبرز العناصر المؤثرة في تكوين هذا الدخل، وبالتالي نسبة إسهام القطاع غير النفطي، لأنه كلما كانت العناصر المكونة للدخل غير نفطية ومن القطاع الخاص، فذاك يعني أن مؤشر النمو الاقتصادي يبرهن على حدوث حالة تنويع في القاعدة الاقتصادية.. بمعنى أن معدل النمو الاقتصادي يمكن أن يكون بشيراً على مسار اقتصادي سليم، أما إذا باتت معظم المكونات مصدرها ريع النفط خاماً أو تكريراً أو صناعة قائمة عليها، فلن يكون مؤشر النمو في هذه الحالة إلا ابن هذا الريع، وبالتالي فهو سيكون (حتى مع أهميته) نذيراً بأنه ما من تنويع لمصادر الدخل أو أنه تنويع جد ضئيل، وأن التضخم الحاصل إنما هو ناجمٌ عن التأثير المحلي، وأنه سيظل للارتفاع أميل، وهذا بالنسبة لتآكل القوة الشرائية للمواطن يعني الكثير، مثلما هو يعني إعاقة للاستثمار فيما لو تفاقم وللاقتصاد الوطني ككل بكل تأكيد. وطبعاً سيكون من غير الحصافة أن تذهب ردة الفعل إلى وقف حاد للإنفاق، لأن ذلك سيعني صدمة مباغتة ينجم عنها التفريط فيما تم الاتفاق عليه، وذلك يعيدنا إلى أهمية التأكيد على أن يتجه الإنفاق للقطاعات الإنتاجية وخلق قاعدة اقتصادية صناعية تقنية. ومهما كان حجم الإنفاق هنا فثمة عوائد مضمونة، قريبة المدى وبعيدة المدى، وأنها بتناميها تزيح شبح المخاطر عن معدل نمو اقتصادي يكون رقمه شحماً وليس لحماً. أي تحاشي اتفاق مسرف في الاستهلاك إلى اتفاق موجّه للإنتاج.. ذلكم هو تاج صحة النمو الاقتصادي الحقيقي ودواء التضخم.
إنشرها