Author

الاتفاقية الأمنية الخليجية.. الضرورة المدروسة

|
مع توقيع وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي على الاتفاقية الأمنية بين دول المجلس، تتعزّز أواصر هذا التجمُّع الإقليمي المحوري، في منطقته وعلى الساحة الدولية أيضاً. فكل اتفاقية تُبرم في المجلس تمنحه مناعة إضافية من "الملوّثات" المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والأمنية وغيرها. وهذه "الملوّثات"، بعضها إقليمي واضح (بل مفضوح)، وبعضها الآخر دولي. ولا يمكن أن تتماسك قوة مجلس التعاون، من دون اتفاقيات تزيل الاختلافات ومعها التفاصيل غير المرغوب فيها، ولا سيما في ظل وجود مستمر لجهات خارج نطاق المجلس، لا تتردّد في إعاقة أي خطوة على طريق التكامل الخليجي. وإذا لم تستطع أن تعوق أو تعطل شيئاً، فهي لا تتخلى عن أمنياتها التاريخية بأن يُصاب المجلس بالإعاقة والجمود والخلافات التي لا حلول لها. إنه نوعٌ من أنواع الحسد العدواني. ومن مزايا الاتفاقية الأمنية الجديدة، أن وزراء الداخلية لم يوقعوا عليها ارتجالاً، ولا بدوافع عاطفية تعاند الحقيقة والمنطق، كتلك الدوافع التي ابتلي بها العرب على مدى عقود طويلة. فلم تنتج إلا الوهم. وعلى الرغم من أن الاتفاقية تأخرت، إلا أنها جاءت ناضجة ومدروسة وواقعية، تضمن نجاحها، ودورها الضروري على الساحة بما يتناسب مع المعطيات والاستحقاقات والحقائق.. وهذا هو المهم. ووفق هذا التوجّه، كان من الضروري أن يتم تعديل مسوداتها، بصورة تنسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة التي تعيشها المنطقة والعالم. فالاتفاقية في النهاية (كباقي الاتفاقيات الأخرى)، أُبرمت من أجل توفير الأمن والحماية لمكتسبات مجلس التعاون. وهذا لا يحدث بأي حال من الأحوال، عبر اتفاقيات "مجاملة". كما أنها في صيغتها المتماسكة والواضحة، ستسهم بالفعل في تعزيز جهود الدول الموقعة عليها، لتوسيع آفاق التعاون والترابط والتكامل بينها في المجالات الأمنية كافة. وهو أمر، أكده الأمين العام للمجلس في أعقاب التوقيع. وتكتسب الاتفاقية الأمنية أهمية خاصة عن غيرها من الاتفاقيات الأخرى، بأنها تأتي في ظل حالة متصاعدة من التوتر في المنطقة كلها. ومن الواضح أن هذه الحالة لن تنتهي قريباً، وإن انتهت، فإن آثارها ستبقى لفترة ليست قصيرة، خصوصاً في ظل الاستهداف المنهجي الواضح الذي يُحدق بدول الخليج العربية. يضاف إلى ذلك، أن الحرب على الإرهاب لا تزال مستمرة، وستستمر طالما استطاع الإرهابيون من كل الأصناف، العثور على من يدعمهم ويشغلهم لحسابه. وهذه الحرب بالذات، تحتاج إلى تكامل أمني بالفعل للانتصار فيها، مع تجدد أساليب الجهات الإرهابية المختلفة. فالحرب هي في الواقع مجموعة من المعارك، التي لا يمكن الخسارة في واحدة منها. ولهذا السبب وغيره، وجب التكامل لا التعاون. واستحق التحرُّك المنهجي الواحد، لا الحراك الفردي. كلما ارتفعت حدة استهداف دول الخليج العربية، تطلّب الأمر تكاملاً أمنياً يرقى إلى مستوى التهديدات وخبث الاستهداف. والاتفاقية الجديدة توفر المطلوب في الزمن الصعب، كما أنها تقدم كل الدعائم اللازمة في الزمن السهل، وتضع الآليات الضرورية لتناغم الاستراتيجيات الأمنية المشتركة بين الدول الموقعة عليها، بل تحولها إلى استراتيجية واحدة، ولا سيما أن التهديدات السائدة، تستهدف الجميع. وعلى الصعيد الدولي، ستعزز الاتفاقية الأمنية، علاقات دول مجلس التعاون مع الدول الصديقة لها، والمجموعات الدولية، الأمر الذي سيكرّس محورية المجلس دولياً على هذا الصعيد المهم والحساس. فالحرب على الإرهاب والأشرار باتت منذ سنوات طويلة، حرباً عالمية. والدول المارقة، لن تُوقِف بسهولة استراتيجيتها، لنشر هذا الإرهاب بكل صيغة ممكنة، بما في ذلك البحث الدائم عن ضالين ومجرمين، ينفذون معها استراتيجية الإرهاب والخراب والجنون. مرة أخرى.. أتت الاتفاقية الأمنية متأخرة، لكنها وصلت متماسكة عميقة، دون ثغرات أو اهتزازات.
إنشرها