Author

الإنفاق الحكومي الخليجي ضرورة ولكن...

|
لا شك أن تحذير صندوق النقد الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي من إمكانية مواجهة عجز في موازناتها بحلول عام 2014، جاء ضمن تحليل منطقي، آخذاً في الحسبان بصورة أساسية آفاق حراك الاقتصاد العالمي. وهذا التحذير لا ينطبق بأي حال من الأحوال على أغلبية دول العالم (بما فيها الكبرى)، لأن العجز في موازناتها يسود المشهد، قبل الأزمة الاقتصادية العالمية وبعدها، وفي بعض هذه الدول أصبح ''تاريخياً'' على صعيد ''عمره'' وهوله أيضاً. وسواء كانت هناك فوائض مالية في أغلبية موازنات دول مجلس التعاون أم لا، فإن ''صندوق النقد'' محق في الإشارة إلى ضرورة تخفيض الإنفاق الحكومي في هذه الدول، وهو أمر يعمل عليه الخليجيون منذ سنوات. والحقيقة أن خفض الإنفاق الحكومي لا يأتي عن طريق قرار بين ليلة وضحاها. فهو مرتبط باستراتيجية طويلة الأمد، ينبغي أن تتوافر لها أدوات عالية الجودة. وقبل ذلك، يجب حساب و(قراءة) انعكاسات الخفض على الساحة الاجتماعية ككل. لقد استطاعت دول الخليج أن تواجه بصرامة آثار و(آثام) الأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك بفضل الفوائض المالية، التي باتت تشكل جزءاً أصيلاً (بل كبيراً) في استثمارات دول مجلس التعاون في ''المستقبل''، لكن هذه الاستثمارات الاستراتيجية ليست مضمونة بما يكفي لاستمرار ارتفاعها أو وتيرتها، لأنها ببساطة خاضعة لعوائد نفطية متأرجحة. صحيح أن هذا التأرجح ظل ضمن النطاق المنظور والمقبول على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن المؤشرات العالمية لا توحي باستمراره على هذا المستوى، في السنوات الثلاث المقبلة. فطبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المحتمل أن ينخفض سعر برميل النفط الخام بحلول عام 2013 بمقدار 30 دولاراً أمريكياً. ومن المتوقع أن يستمر منخفضاً على المدى المتوسط. وإذا حدث ذلك، فإنه سينعكس مباشرة على الفائض المالي الخليجي، الذي يوفر السند الأهم لدول المنطقة. مع التذكير أن القطاع النفطي ما زال يمد الناتج المحلي الخليجي بنحو 80 في المائة من قيمته. في هذه الأثناء، ارتفع مستوى الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون في العام الماضي بنسبة 20 في المائة. وهي نسبة كبيرة في الواقع، وتطلق إشارات واضحة بأن حكومات المنطقة لم تصل بعد إلى الحد الذي يُمكنها من أي خطة تسعى إلى تنفيذها في هذا الاتجاه. ورغم أن الفائض المالي بلغ في العام الماضي 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وسيستمر على هذا المستوى حتى نهاية العام الحالي، إلا أنه لن يكون كذلك مستقبلاً. وستنتقل موازنات دول الخليج من حالة الفوائض إلى وضعية العجز. وإذا ما أُضيفت المخاطر الناجمة عن انفجار أي أزمة اقتصادية على المستوى العالمي، خصوصاً أنه لا توجد مؤشرات مطمئنة بهذا الخصوص، فإن الموارد المالية الناجمة عن العوائد النفطية في دول مجلس التعاون ستتراجع حتماً بتراجع الطلب على النفط، في زمن الأزمات. وهذا يعني أن سعر برميل النفط الخام، لن يتجاوز الـ 80 دولاراً في أحسن الأحوال، وسيكون الأمر صعباً للغاية، حتى لو حسبت بعض دول الخليج موازناتها طبقاً للسعر المتوقع للبرميل. إن الخفض الواعي للإنفاق الحكومي يحصن الاقتصاد (أي اقتصاد) من ضربات أي أزمة، عالمية كانت أم إقليمية أم محلية، وفي أسوأ الأحوال، يوفر للاقتصاد ''أسلحة'' دفاعية فاعلة. ومن الأجدى لدول الخليج العربية أن تتحرك بهذا الخصوص، ليس فقط من أجل درء الأزمات، لكن من أجل تحويل اقتصاداتها إلى أخرى متنوعة الإنتاج والعوائد والقطاعات، في زمن الازدهار والانتعاش، وفي وقت الكساد.
إنشرها