Author

انفجار الرياض في عيون الإعلام

|
في حادثة انفجار صهريج الغاز في الرياض صباح يوم الخميس 16/12/1433هـ، تم الإعلان خلال الساعات الأولى من وقوع الانفجار، من جهات معنية، عن عدم وقوع ضحايا، ولا يوجد في ظني من لم يحمد الله على سلامة البشر، على الرغم من هول الانفجار. من خلال دراستي في مجال الإعلام والعلاقات العامة وإدارة الكوارث، وكوني من أهالي ضحايا الانفجار، الذي أسفر عن مقتل ابن عمي، المغفور له بإذن الله، رامي خلف أبو عمة، تابعت تطورات هذه المأساة بعيون الإعلام وعيون أقارب الضحايا، في الوقت الذي كنت أرى فيه تناقضات بين بعض التصريحات الإعلامية والواقع. من الطبيعي أن يقع على عاتق الإعلام مسؤولية التحقق من مصادر الخبر قبل نشره، فالإعلام الملتزم بالمهنية الحقة ليس مصدراً لنقل الشائعات. تطوعت بعض المواقع الإخبارية، غير المسؤولة، بالإعلان عن عدد ضحايا الانفجار على شبكة الإنترنت، ووضعت قائمة بأسماء عدد من الضحايا، تم تداولها بكثرة في الشبكات الاجتماعية. والأدهى من ذلك، نشرت صور جثث الضحايا من موقع الانفجارعلى بعض وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، حتى بعض الصحف المحلية في اليوم التالي، مع الإهمال الصريح والتغاضي عن مشاعر أهالي هؤلاء الضحايا. إضافة إلى ذلك، نشرت مواقع في الإنترنت بشكل سريع صور وفيديوهات لموقع الحادثة والقتلى في الشارع أثناء قيام الدفاع المدني بعمليات الإطفاء، حيث ظهر التجمع الكبير في موقع الانفجار، كما يفعلون في أي حادثة، ومزاحمة المتطفلين رجال الأطفاء لتوثيق الخبر بهواتفهم أو لإثبات وجودهم وقت الانفجار أو لأسباب أخرى. هذه التجمعات تعد ظاهرة سلبية لا بد من القضاء عليها بالتعاون مع الإعلام وقطاع التعليم للتثقيف والتحذير. وعلى الجهات الأمنية، التي نكن لها كل احترام، اتباع وسائل حضارية وعلمية جديدة لإدارة الكوارث في الحوادث ميدانيا وإعلاميا. من جهة أخرى، يرى المختصون وجوب تفهم حاجة الصحافيين وتسابقهم في الحصول على التفاصيل ونشر الأخبار، أنه أمر بديهي في كل المجتمعات المتحضرة، وعلى الهيئات المعنية والإدارات الحكومية المسؤولة وغرف عمليات الكوارث، إن وجدت في موقع الكارثة، تفهم طبيعة عمل الصحافيين وتوفير البيانات والمعلومات الصحيحة لهم. من المعروف تقوية علاقة الهيئات الرسمية مع الإعلام، وبناء علاقة ثقة مع الصحافيين قبل الأزمات وخلالها من المهام الأساسية لها، حتى لا يضطر الصحافيون إلى البحث عن مصادر أخرى للمعلومات. يكون بناء علاقة الثقة عن طريق تزويد الصحافيين بالأخبار أولا بأول حال توافرها، وعدم التحرج من محدودية المعلومات، خاصة في حالات الأزمات، فإن عدم توافر المعلومات الكافية لا يبرر تعمد التقليل من آثار الحادثة. ومن الملاحظ أن بعض التصريحات الإعلامية للهيئات تلجأ إلى نشر الأخبار والتصريح عنها قبل التأكد منها، أو للتقليل من حجمها لطمأنة المجتمع، ما يشكك الناس في المعلومة. لعل عدم ذكر بعض الحقائق، كما لاحظنا خلال الساعات الأولى من الانفجار، يكون عرضة لاجتهاد وسائل الإعلام وتسرعها في نشر تحليلها الخاطئ. كم كنت أتمنى أن توجد إدارة مختصة لإدارة المخاطر تشمل اللجان المعنية، وتتعامل مع الآثار الاجتماعية والنفسية والمادية، بما في ذلك إشعار أسر الضحايا بأساليب راقية، من جهات مسؤولة، بحيث يتم تشكيلها قبل حدوث الكارثة. من المتوقع لهذه اللجنة أن يكون لها متحدث رسمي يجيد الإدلاء بالتصريحات، ومواجهة الجمهور وإشباع فضولهم بتوفير البيانات لهم وتوجيه أهالي الضحايا، مع القدرة على ذكر جميع الأجزاء المهمة بطريقة موجزة ومفيدة، مع أهمية توضيح أن المتحدث الرسمي يمكن أن يكون أحد المسؤولين غير المباشرين. تألمت جدا لانشغال عمي ووالدي وكثير من أقربائي بمراجعات عدد من الدوائر الحكومية والبحث عن مساعدة للتأكد من شخصية الضحية ومتابعة الأوراق لإنهاء التسلم، وعدم وجود جهة محددة يمكن الاتصال بها لإحاطتهم بتطورات العمل والإجراءات المؤدية لتسلم الضحية. سرق أحد العمال الآسيويين هاتف رامي، الذي نحسبه عند الله شهيدا بإذن الله، ليرد بكل فجاجة على المتصل بأن صاحب هذا الهاتف ميت، وأنه أخذ هاتفه من الموقع، ولا توجد جهة مسؤولة للقبض على هذا اللص. كنت أتمنى أن يكون الاتصال عند معرفة الشخص المتوفى من جهة مسؤولة، علما بأنه تم التعرف على شخصيته وتم تطبيق بطاقة الأحوال عليه، وتم عمل الإجراءات دون الحاجة إلى متابعة خطاب صادر من الجهة المعنية إلى شرطة الرياض، ومن ثم إلى ثلاجة المستشفى. عجبت لتصريحات كثيرة من جهات تدعي أداء واجبها على أكمل ما يرام، وأنها ليست هي الجهه المسؤولة عن الحادث، سواء كانت الشركة المالكة للشاحنة وحمولتها أو جهات أخرى. أود التنويه بأن الحادثة انتهت ولا اعتراض على قضاء الله، وتم يوم الأحد دفن رامي، تغمده الله برحمته، الذي كان في مقتبل شبابه، طفله الأول لا يتجاوز السنتين، ورزق طفلا آخر بعد عشرة أيام من وفاته، وكان في طريقه إلى العمل، يوم الخميس، وما زال والده لم يتجاوز تأثير الصدمة في انتظاره، متفائلا، لجهة مسؤولة توضح له ملابسات الحادث وتوجهه لاستكمال بقية الإجراءات. أرجو من الله ألا يتكرر الحادث لأي إنسان في هذه المملكة. بدور بنت عبد الرحمن عمة
إنشرها