Author

شح البيانات وضبابية اتجاهات الاقتصاد السعودي

|
المعلومات التي تنشر عن مخزون الولايات المتحدة من النفط تحرّك أسعار النفط العالمية، ومع ذلك فهي غير سرية وتعلنها الولايات المتحدة بشكل مستمر. معدلات التوظيف والبطالة وأسعار التجزئة كلها تحرّك أسعار الفائدة العالمية وأسعار الذهب، وهي أيضاً دائماً في متناول المختصّين من الباحثين والمستثمرين بتنوعهم، بل إن صناعة هذه المعلومات تعد سوقاً عالمية في حد ذاتها، والمؤشرات العالمية المصاحبة لها تشكل فرصاً استثمارية مربحة. ذلك أنه في علم الاقتصاد لا يهمنا الماضي كثيراً فقد ذهب مع الريح، لكنه مع ذلك يحمل مخزوناً ضخماً من البيانات الاقتصادية ذات القيمة العالية التي يمكن أن تنير الطريق للحاضر والمستقبل، على أساس أن ما حصل في الماضي قد يتكرّر بنسبة معينة في المستقبل. فالقرار الاقتصادي يعتمد على بيانات الماضي للتنبؤ الصحيح بما سيكون عليه المستقبل. ورغم أن المستقبل سيتأثر حتماً بقراراتنا التي نتخذها اليوم ولن يكون بسبب ذلك الماضي فقط. وخلاصة القول إنه لا يمكن اتخاذ القرار الاقتصادي بمنأى عن القراءة المتأنية للماضي وبياناته، هذا الماضي قد يكون الدقائق القليلة المنصرمة. ومن أجل ذلك تطورت النماذج الاقتصادية التي تساعد على التنبؤ بالمستقبل وحركة الأسعار واتجاهات المستهلكين، لكنها تحتاج إلى تغذيتها بالبيانات الصحيحة عن الوضع الراهن، فلا يمكن معرفة اتجاهات أسعار الغد وليس لدينا بيانات دقيقة عن أسعار الأمس، ولا يمكن أن نعرف أين سيذهب المستهلكون إذا كنا لا نعرف أين هم اليوم. فالبيانات الصحيحة والدقيقة هي سر حياة الاقتصاد وعلمائه، ودونها لا يمكن القول بوجود الاقتصاد وأهله. لذا يمضي طلاب الاقتصاد أوقاتهم وتدريبهم ليس على بناء النماذج الاقتصادية الجديدة، بل على جمع المعلومات الاقتصادية المتوافرة وتحليلها وفهمها فهماً دقيقاً، لأنها غذاؤهم الذي سيقتاتون عليه من أجل البقاء. ولأنه لا اقتصاد من غير بيانات دقيقة، فإن الاقتصاد السعودي واتجاهاته أيضا تعتمد على دقة البيانات الاقتصادية المتوافرة عنه. لكن - مع الأسف الشديد - فإن هذه المعلومات لم تزل شحيحة جداً، ولم تزل المؤسسات الاقتصادية بتنوعها تعتبر البيانات الاقتصادية سراً من أسرارها، تحجبها عن الباحثين والدارسين والمراكز والصحف والمجلات الاقتصادية المتخصّصة، وبذلك يظل الوضع الراهن للاقتصاد السعودي ضبابياً غير شفاف ولا تقدم المعلومات المتاحة صورة واضحة عنه. بل إن البعض وفي أحيان كثيرة في شك فعلاً عن مدى توافر هذه المعلومات لدى المؤسسات الحكومية أو أنها قد تكون متوافرة، لكن كبيانات خام مجمعة بشكل عشوائي ويحتفظ بها بطريقة لا يمكن استرجاعها أو حتى التعامل معها. فحتى الآن تتضارب البيانات حول أعداد العاطلين ومناطق تمركزهم، لو وجدت بعض هذه المعلومات فإنها تكون قديمة نسبياً لم يتم تحديثها بشكل مناسب من مصدر مناسب، وفي أحيان أخرى تتضارب الأنباء من المصدر الواحد أو بين المؤسسات ذات العلاقة. نحن نعرف أن العمالة الأجنبية تسيطر على قطاع التجزئة لكن كم عدد المؤسسات التجارية العاملة في هذا القطاع؟ كم نسبة الأيدي العاملة في كل قطاع؟ ما تنوع هذه العمالة؟ ما جنسياتهم؟ ما خبراتهم؟ كيف يمكن تقسيم هذا القطاع إلى مؤسسات متناهية في الصغر وصغيرة ومتوسطة وكبيرة وعملاقة؟ وكم نسبة كل نوع؟ وكم نسبة تمركز العمالة الأجنبية في كل شريحة؟ ما نصيب كل شريحة من التمويل المؤسسي؟ كيف نعرف مستويات الفقر إذا كنا غير متأكدين من مستحقي الضمان الاجتماعي بعد؟ بل إن هناك جدلاً واسعاً حول دقة الأرقام. في جانب المرأة واقتصاديات عمل المرأة تبدو المعلومات أقل سواء في كميتها أو في دقتها. والصورة نفسها نراها في المخزون العام من البنزين والقمح والشعير والموارد المائية. كل ما نسمعه دوما هو تصريحات يتكرّم بها مسؤول في لقاء أو مؤتمر، وهي تصريحات عمومية متفائلة بعيدة عن الدقة الإحصائية والاقتصادية الضرورية، بينما تخول المواقع الإلكترونية لهذه الجهات من معلومات تؤيد تصريح المسؤول أو تفاؤله. إن ضبابية المعلومات وشحها عن السياق الاقتصادي (قريب أو بعيد) تعد مؤشراً واحداً من مؤشرات عدة على ضبابية الاتجاه الاقتصادي للمملكة، فالتخطيط الاقتصادي مرهون تماماً بمدى توافر هذه البيانات الاقتصادية ودقتها، كما أن توجيه الاقتصاد نحو الصناعات والأعمال التجارية التي يحتاج إليها الاقتصاد السعودي مرهون بتوافر هذه المعلومات للمستثمرين.
إنشرها