Author

الغرب والأخلاق والنفاق

|
أستاذ جامعي ـ السويد
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن الأخلاق، وكيف أن الغرب يطبق مفاهيم للعلاقة مع الآخر بغض النظر عن دينه ولونه ومذهبه وجنسه، بأسلوب إنساني وأخلاقي يفوق ويسمو على ما تقدمه المؤسسة الكنسية من نموذج. المؤسسة الكنسية تلحق الأخلاق بالمذهب، الذي من وجهة نظرها تنصهر فيه الأخلاق الإنسانية الراقية. المؤسسة العلمانية الغربية تلحق الأخلاق بالإنسان الذي ترى فيه كائنا تنصهر فيه، ليس المذاهب، بل الديانات وكتبها السماوية أيضا. ولكن علينا أن نكون حذرين جدا عند التحدث عن الأخلاق في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو أي حقل آخر. لماذا؟ لأن الغرب مشهود له بمواقفه الازدواجية ونفاقه عند تعلق الأمر بالعلاقة مع الآخر، ولا سيما إن كان هذا الآخر مشرقيا عربيا أو مسلما. الناس سواسية في الغرب إن كانوا مواطنين غربيين. بقدر تعلق الأمر بالعلاقة مع الآخرين، الأخلاق لها تعريفات ومعايير مختلفة، وتقاس بقياس المصلحة والمنفعة. المساواة عند التعامل مع الآخرين لا تقع ضمن الدساتير الغربية التي تستند إلى الأخلاق الإنسانية السامية. بمعنى آخر، المفهوم النفعي أو الفلسفة النفعية هي التي تقود الغرب وأخلاقياته عند التعامل مع الآخرين خارج نطاق دوله ومجتمعاته. هذه نظرية صحيحة، لأن في الإمكان الاستشهاد بحالات لا تحصى يبني الغرب فيها مواقفه الأخلاقية صوب الآخرين، من وجهة نظر نفعية بحتة - أي أن الشخص الغربي الواحد من حيث الأخلاق يساوي العشرات لا بل المئات أو حتى الآلاف من العرب أو المسلمين مثلا. ولهذا إن قتل أو أسر جندي غربي - أمريكي أو إسرائيلي مثلا - العشرات أو المئات من العرب والمسلمين، كما يحدث حاليا في كثير من الأمصار الإسلامية، فهذا لا يعد جريمة أخلاقية، وله تفسير أخلاقي نفعي، مفاده أن الغرب مرغم أخلاقيا على الأسر أو القتل لأسباب يراها أخلاقية، ولكنها في الواقع نفعية وشريرة. وأكثر الأسلحة فتكا وتطورا من الناحية التكنولوجية هي الطائرة بدون طيار، ويبدو أن الغرب لم يخترعها إلا كي تقصف أمصار العرب والمسلمين في فلسطين والصومال والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان وأخيرا ليبيا. كم بريء قتلت وتقتل هذه الطائرات، هذا لا يدخل في حساب الأخلاق لدى الغرب. والنفاق الأخلاقي لدى الغرب يظهر جليا أيضا في شراهته المادية التي يبدو أن لا حدود لها. فشركاته العملاقة التي قد تصل واردات بعضها ميزانية قارة مثل إفريقيا، لا تتورع عن انتهاك أبسط المعايير الأخلاقية عند التعامل مع الآخرين - غير الغربيين. هذه الشركات تحاول جهدها نهج أساليب أخلاقية راقية وسامية في بلدانها الأصلية، ولكن ما إن وضعت أقدامها خارج حدودها الجغرافية، نسيت أن الناس سواسية. والنفاق الأخلاقي الغربي يظهر للعيان عند تطبيق المعايير التي وضعها الغرب ذاته بخصوص حقوق الإنسان. لا حاجة إلى ذكر أمثلة، ولكن قربك من الغرب من الناحية النفعية قد يعفيك من أخطر انتهاكات تقترفها لحقوق الإنسان، وبعدك عنه من الناحية النفعية والمصلحية يجعلك هدفا لشن حملات إعلامية أو حصار اقتصادي، وحتى عمليات عسكرية. وهذا يندرج أيضا في إطار المفهوم الغربي للإرهاب. إن عاديت إسرائيل مثلا - كما تفعل حماس أو منظمات أخرى - فأنت في خانة الإرهاب ولكن في اللحظة التي تصادق إسرائيل وتهادنها تغفر لك كل خطاياك. والشرق ذاته لا يخرج عن إطار اللوم. كثير من الدول الشرقية - العربية والإسلامية - تمنح الغرب والغربيين درجات أخلاقية أعلى بكثير مما تمنحه حتى لمواطنيها. الأمريكي الذي يقترف جريمة في بلد عربي أو مسلم لا يعامل مثل المواطن الذي يقترف الجريمة نفسها. وهذا ينسحب على الشركات والمنظمات والدول. إننا نعيش في عالم غير أخلاقي طالما يطبق فيه الأقوياء معايير مزدوجة للعدالة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
إنشرها