default Author

دعوة للاختلاف

|
في ثقافتنا تعوّدنا أن مَن يختلف معنا عدونا، وأصبحنا نجمع حولنا المؤيدين فقط، قليل جداً بل نادر مَن يستطيع الاحتفاظ بزميل عمل أو صديق مخالف له في الرأي، فهو ينظر إليه على أنه عدو أو على الأقل محبط، ماذا لو كان اختلافنا مع الآخر مصدر إلهام ومحفزاً على التفكير الإيجابي؟! نحن - غريزيا - نتجنب المواجهة، لذلك نتأخّر في اكتشاف أخطائنا ومن ثم تعديلها، كما نفتقد القناعة التامة بأن ما نقوم به من عمل وما نتخذه من قرارات هو عين الصواب، فكيف نستطيع التغلب على أنفسنا وكسر حاجز الخوف. في الخمسينيات الميلادية اهتمت الطبيبة المتميزة وأصغر أعضاء الزمالة في الكلية الملكية "أليس ستيوارت" بدراسة علم الوبائيات ونمط الأمراض، وكانت تدرك أنه لترك أثر وبصمة في الحياة لا بد لها من إنجاز عمل كبير وحل مشكلة خطيرة، لذا قامت بدراسة سبب ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان في مرحلة الطفولة، ووجدت - رغم ارتباط الأمراض بالفقر - إلا أن أغلب الأطفال الذين ماتوا من جرّاء المرض ينتمون لعائلات ثرية! ونظراً لقلة الموارد ووفاة الأطفال لم تكن لديها فرصة كبيرة للتوسع في البحث، ومن ثم الاقتناع بما وصلت إليه من نتائج، فقد وجدت أن نسبة الوفيات اثنين إلى واحد، وأن أمهات الأطفال المتوفين تم فحصهن بالأشعة السينية في أثناء الحمل، وهذه نتيجة صادمة للجميع، حيث بيّنت أن التقنية الجديدة في ذلك الوقت والحرص على صحة المرضى تسبّبت في حدوث عواقب وخيمة، ونشرت نتائج دراستها الأولية، ولكنها كانت في حاجة ماسّة لإثبات أنها على حق، فقد كان هناك طفلٌ يموت أسبوعياً، ولم يتخذ أي قرار بناءً على دراستها، (تم منع استخدام الأشعة السينية للكشف على الحوامل في المستشفيات البريطانية والأمريكية بعد 25 عاما!)، فمن الذي ساعدها على التأكد من نتائجها ونجاحها، هل هو شخص كان يشجعها ويؤيدها في كل ما تقول أم العكس؟ لقد كان وراء اقتناع ستيوارت بما وصلت إليه رجل إحصائي يُدعى جورج نيل، عكسها تماماً في كل شيء، وعلى قدر ما كانت تهتم بمرضاها كانت تهمه الأرقام، وكان يقول "مهمتي هي إثبات أن الدكتورة ستيوارت مخطئة"، وتفنن في إيجاد طرق للتلاعب بالبيانات من أجل مخالفة رأيها وخلق تعارض لنظريتها، حيث لم يكن قادراً فعلياً على إثبات خطئها إلا بهذه الطريقة، هذا التعارض في الرأي حثّها على التفكير، والبحث عن أدلة أقوى تشعرها بأنها على حق، وتمنحها الثقة فيما تقول، لقد قدما نموذجاً رائعاً ومختلفاً من التعاون، فقد كانا شريكين في التفكير وليسا عدوين لبعضهما، فهي لم تعتبره إنساناً محبطاً عدواً لنجاحها وتتوقف، بل كان نوعاً من التفكير والصراع البناء. من جهة أخرى، وفي استطلاع للرأي أُجري على مديرين تنفيذيين في أوروبا وأمريكا وجد أن 85 في المائة منهم كان لديهم خوفٌ من المواجهة والصراعات التي قد لا يجيدون إدارتها فيخسرون مناصبهم، وهذا يعني عدم قدرتهم على التفكير الجماعي مع أفراد منشآتهم وعجزهم عن إخراج أفضل ما لديهم وتطوير مهاراتهم. لذا علينا أن نتعلم فن المواجهة، ونبحث عن أشخاص مختلفين عنا في التخصُّص والتفكير والتجارب الحياتية، فمنهم نستمد الطاقة والقوة لمواجهة أنفسنا والآخرين، ونتغير فعلياً، فمشكلاتنا تكمن في توارينا وخوفنا من المواجهة والنقاش، فليس الصمت حكمة في كل الأوقات!
إنشرها