Author

استفزاز .. وانتهازية مألوفة

|
ليس غريبا على البرلمان البريطاني أن يدس أنفه بين الحين والآخر في شؤون الدول الأخرى .. وهذا لا يحدث تلقائيا وبسياق بريء لا دوافع خلفه، بدليل أنه يبتلع لسانه، ليس على ما يراه مخالفات لحقوق الإنسان من وجهة نظره، إنما على ما هو طغيان وغزو واحتلال وسطو مسلح وسرقة أوطان بكاملها. لا نتحدث هنا عن مآثر أزمنة الاستعمار البريطاني وسواه، بل عن واحدة هي الأكبر في جرائم العصر الحديث، حيث منحت بريطانيا نفسها بموجب وعد بلفور المشؤوم الحق لليهود الصهاينة في وطن قومي لهم في فلسطين العربية مع المثابرة على دعم عصابات الصهاينة بالسلاح وإرسال أفواجهم لارتكاب أبشع المجازر والطرد والتشريد واغتصاب القرى والمدن الفلسطينية إلى حين إعلان قيام الدولة العبرية في عام النكبة 1948 ومضيها في الإمعان في مؤازرة الإسرائيليين لسلخ ما تبقى من فلسطين وتشريد سكانها عبر اعتداءات غاشمة بينها حروب 56 و67، 73، و82 وما زالت بريطانيا سيدة الدوس على حقوق الفلسطينيين بشكل صارخ.. وحقوق العرب وسواهم وقد تكرر الأمر نفسه في لبنان والعراق وأفغانستان، مثلما كانت أنشودة حقوق الإنسان في البرلمان البريطاني لعقود مضت لصالح الطغاة والمستبدين من حضانة لإسرائيل إلى علاقة وشراكة مع طاغية كصدام أو صداقة وضيافة لدكتاتور مجنون كالقذافي. من هنا فمن حق سفير المملكة العربية السعودية ليس فقط أن يبدي شديد استيائه حين تخصص لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطانيي سجالاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان، بل أن يرفع السفير صوته علنا وصراحة بالاستهجان.. وخصوصا أن هناك مَنْ يرى أن ما حدث ينطلق من أجندة ملتبسة سواء للورد البريطاني أحمد المستنفر ضد الخليج أو لسواه ممن جاراه في هذه الهوجة للتعمية على ارتكابات فاقعة اللون من قبل بريطانيا نفسها من خلال هذه الإثارة الرخيصة، وكأن مسلسل الارتكابات قد توقف، أو أن حكومة بريطانيا ـــ مثلا ـــ قد كفرت عن جريمة وعد وزير خارجيتها الأسبق بلفور في إعطاء ما لا تملك لمن لا يستحق، أو وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني لإقامة دولتهم المستقلة واكتساب العضوية الكاملة لها في الأمم المتحدة، أو أنها اعتذرت عن ويلات استعمارها، وعوضت الشعوب عما نهبته من ثرواتها، وفيها تسخيرها عمالة المستعمرات لحفر أنفاق المترو وغيرها! إن لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني حين لا تجد غضاضة، في تعمد اللغط والإثارة في شأن أهل الخليج وتكابر في مسألة اعتراض المملكة العربية السعودية وتعبيرها عن استيائها ومعها دول مجلس التعاون وعلى لسان بعض أعضاء البرلمان وبعض أقلام الصحافة البريطانية ممن سارعت إلى كتابة ما يستفز الخليجيين.. حين يحدث هذا اليوم لن يمثل ذلك سوى عودة انتهازية مألوفة إلى ممارسة ذات الموقف المتجني وغير الصادق مع دول الخليج بين الحين والآخر التي لم تكن حكوماتها إلا صاحبة التزام مبدئي مع الحكومة البريطانية التي تربطها معها علاقات تاريخية لم تتنكر أبدا لها كما لم يكن الشعب البريطاني لشعوب الخليج إلا أحد الشعوب الصديقة.. لكن ذلك لا يبدو أنه مما يروق للجنة البرلمانية وبعض اللوردات والبرلمانيين والأقلام المشبوهة فانخرطوا في المزايدة في لغو من الكلمات المسمومة ونثرها ذات اليمين وذات الشمال، ما دعا الحكومة السعودية إلى الاحتجاج لكيلا تتخذ هذه الافتراءات باسم الدفاع عن حقوق الإنسان في دول الخليج مطية للمس بسمعة المملكة وما تحظى به من مكانة، يبدو أنها أغاظت مَن .. نذروا أنفسهم ليكونوا ممثلي الأيدي الخفية لمآرب ليست دول الخليج في وارد السكوت عنها.
إنشرها