Author

عرفات .. وقفة لا مثيل لها

|
في كل مكان من العالم مشهدٌ تقف فيه الجموع لمناسبة خاصّة ترتبط بأهل البلد وبتقاليده ومعتقده وطقوسه.. المشهد مهما كَبُرَ ومهما كان له من ملامح ليس له على الإطلاق أن يشبه مشهد يوم الوقفة في عرفات؛ الذي لا مثيل له، وفي الجمع الأكبر من البشر في بقعة واحدة ووقت معلوم محدود. إن وقفة عرفات لا مثيل لها على مدى التاريخ وفي كل بقاع الدنيا.. ملايين من البشر يناهزون الثلاثة ملايين، الرجال بملابس الإحرام البيضاء ذاتها والنساء لها ملابسها الخاصّة .. إنهم جاءوا من كل فج عميق من جميع الجهات الفرعية والأصلية للأرض ميمّمين شطر الديار المقدسة يتحدثون بمختلف اللغات والثقافات والأعراق والأجناس والألوان والظروف الاقتصادية والنفسية؛ لكنهم في وقفة عرفة وعلى صعيدها ينصهرون في كتلة روحانية واحدة تصعد من أفواههم الضراعة للخالق الواحد الأحد - سبحانه - طلباً للغفران والتوبة وطمعاً في الخير والرضوان.. أكف مرفوعة للسماء وعيون اغرورقت بالدمع في توبة نصوح وتبتل طاهر الصدق والإخلاص، تجيش به وجدان هذا الجمع توقاً للعتق من النار ومن أدران الدنيا ومغرياتها متسامين لعالم نوراني لا تلتفت معه إلا إلى الورع والتقى والكرامة الإنسانية في محبة الخير والفضيلة، مشاعة تسري بحرارة عفوية من حاج إلى آخر في وصال روحاني نادر يتساقاه الجميع. كل مَن وقف على صعيد عرفات غمره هذا الشعور وحتما فإن المراقب لهذا المشهد على شاشات الفضائيات وهو يرى هذا الجمع المدهش الفريد لن يتمالك مغالبة نفسه لخشوع يهزه من الأعماق، نوبة من الذهول الأكثر لذة في الإحساس حتى لو لم يكن من أهل الملة، فجلال المشهد يأسر على نحو هائل المشاعر، لن يقوى معه على مقاومتها، ولن يقوى على الاعتراف على الفور بأن وقفة عرفات هي حقاً الوقفة التي لا مثيل لها.. فكيف وهي عند المسلمين بذاتها هي الحج.. مَن أدركها أدّى ركنه الخامس لتمام إسلامه وبها ومنها يتنسمون روائح الجنة؟ فليجعل الله حج الجميع مبروراً وسعيهم مشكوراً!
إنشرها