Author

موقف صعب..

|
من أصعب المواقف أن تكتب مقالا وتلتزم بتسليمه للصحيفة قبل موعد مباراة مهمة كتلك التي كانت البارحة بين الاتحاد والأهلي في ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال الآسيوي. موقف صعب جدا لا يحسد عليه من يقع فيه، لأنك لو كتبت عن غير هذه المباراة في مثل هذا التوقيت، سيظهر أحدهم يقول: إنت فين والناس فين، وإن تحلى صاحبنا المستظرف بالهدوء وتنازعته مشاعر الرحمة تجاهك، سيقول على الأقل: يا زينك ساكت. ولو حاولت أن تتذاكى كما يفعل بعض الكتّاب الذين يقعون في الموقف ذاته، وقلت: أكتب قبل المباراة ولو فعل الاتحاد البارحة كذا سيفوز، ولو لعب الأهلي بأربعة مهاجمين لن يخسر، ومارست تحليلا تخيليا، قد يخيب ويصيب. سيخرج أحد الذين يعانون فراغا كبيرا في وقتهم ويصور لك ما كتبت بعد أن يحدث عكسه في الملعب، ويضعه على حسابك في "توتير" ثم يعزف: ما قلت لك اهدأ من كذا يا زاجالو، يا مورينيو، يا جوارديولا، يا الشنيف. ويختم وصلته الساخرة بكل ثقة: لا تتعودها وإلا بعطيك بلوك. رغم أن متابعيه لا يتعدون أصدقاءه الخمسة وثلاثة حسابات وهمية أخرى يديرها. ولا يكتفي، بل يرفق مع التغريدة وجها يخرج لسانه، وآخر يغطي عينيه عن الفضيحة الكبيرة التي أوقعك فيها. كفانا الله وإياكم شر الفضائح، خاصة فضائح جيل الإعلام الجديد الذي مكّنت تقنياته من لا يخاف ربه، ولا يردعه وعي، ولا ينتظر عقوبة، أن يضعك مانشيتا عريضا على "يوتيوب" أو "تويتر" أو "فيسبوك" أو حتى في محادثة على ماسنجر البلاك بيري بتغييرات طفيفة تجعل الواثق منك متشككا مرتابا، ولا لوم عليه فهل يكذب عينيه ويصدقك؟!. حل ثالث ظهر وأنا أقلب كفي على "الكيبورد"، لماذا لا أقدم اعتذارا لطيفا للزميل رئيس التحرير، وللزميل مدير التحرير رئيس القسم الرياضي، أشرح لهما في رسالة هاتفية أني في موقف صعب، وأن القراء غدا سيتفاجأون بي أكتب في موضوع لا يهتم به أحد هذا اليوم، وأن هذا لا يليق بصحيفتهما الفتية الجميلة، لكن صوتا سمعته بدد هذا الأمل يقول: أيضا سيخرج لك أنصار الفريق الفائز، عبر رسائل هاتفية، يقولون: فين مقالك اليوم يا بويا، يا عيني عليك، ما تحملت الهزيمة، مش قادر تكتب كلمة بعد الحراق اللي أكلتو أمبارح. ويذيل المرسل رسالته بوجهين متناقضين لا يجتمعان أبدا، أولهما يشتاط شررا حتى غدا لونه أحمر، والآخر يستلقي على جانبه ضحكا وشماتة. قلبت كل الحلول، كيف أكتب عن الاتحاد والأهلي في نصف نهائي دوري أبطال آسيا قبل أن يلعبا، والمقال يقرأ بعد أن يلعبا، مهمة مستحيلة كأنها الجواب بنعم ولا في اللحظة نفسها. فتحت صفحة بيضاء كتبت حرفا ومسحت حرفا، وتخيلت نفسي في لقطة ختام ورابح صقر يغني أكتب لها حرف وأشطب على حرف. باءت كل محاولاتي بالفشل، فكان هذا المقال، فمن قرأه وغضب فليسامحني، ومن قرأه وابتسم فلا أريد منه جزاءً ولا شكورا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها