Author

تراجع أسعار المساكن قريباً

|
سعت دراسة صدرت قبل ثلاثة أشهر من صندوق النقد الدولي إلى التعرف على خصائص دورة أسعار المساكن ومدتها الزمنية التي تستغرقها في تذبذبها بين أعلى ارتفاع وأدنى هبوط. صدرت الدراسة، بعنوان ''موجات أسعار المساكن حول العالم''، من قبل عدد من الباحثين في الصندوق للتعرف على خصائص دورة أسعار المساكن ومدتها الزمنية التي تستغرقها في تذبذبها بين الارتفاع والهبوط في 55 دولة متباين اقتصادها بين اقتصادات متقدمة وناشئة. شملت عينة الدراسة دراسة خصائص 120 دورة موجة تذبذب أسعار مساكن حدثت في الدول الـ 55 بين 1970و2010. من الأمثلة على الدول عينة الدراسة: الأرجنتين، أستراليا، النمسا، كندا، الصين، مصر، اليونان، إندونيسيا، البرتغال، الإمارات، الهند، الأورجواي، بريطانيا، أمريكا، لوكسمبورج، ماليزيا، مالطا، هولندا، سنغافورة، وجنوب إفريقيا. روعي في اختيار دورة أسعار المساكن الـ 120 خاصية المدة الزمنية بأن تكون قد استغرقت مدة زمنية لا تقل عن العام ونصف عام بين أعلى وأدنى مستوى لأسعار المساكن، وكذلك معدل التصحيح في أسعار المساكن بأن يكون لا يقل عن 20 في المائة بين أعلى وأدنى مستوى لأسعار المساكن. سعت الدراسة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة. الأول توثيق خصائص دورة أسعار المساكن ومدتها الزمنية لكل دورة من الدورات الـ 120. والثاني تحديد مسببات تذبذب أسعار المساكن بين الارتفاع والهبوط للدورات الـ 120. والثالث دراسة تأثير التصحيح الذي حدث في أسعار المساكن في الدورات الـ 120 في الاقتصاد الوطني للدول الـ 55. اعتمدت الدراسة في الوصول إلى نتائجها على دمج بيانات 11 عاملا اقتصاديا ذات علاقة مباشرة بأسعار المساكن، هي مؤشر أسعار المساكن، ومعدل فائض دخل المشتري، ومعدل عمر العامل في القوى العاملة، ومعدل الائتمان المصرفي للقطاع الخاص، ومؤشر السوق المالية، ومعدلي الفائدة بعيد وقريب الأجل، والناتج المحلي الإجمالي، ومعدل الاستهلاك، ومعدل الاستثمار السكني، والرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة. أخذت هذه المعدلات خلال كل دورة من دورات أسعار المساكن الـ 120 ودمجت في قالب إحصائي يساعد على قراءة خصائص كل دورة على حدة. اعتمدت الدراسة في بياناتها على إحصاءات رسمية صادرة من مصلحة الإحصاءات العامة في الدول الـ 55، وتلك الصادرة من صندوق النقد الدولي. توصلت الدراسة إلى سبع نتائج ذات علاقة بخصائص دورة أسعار المساكن ومدتها الزمنية التي تستغرقها في تذبذبها بين أعلى ارتفاع وأدنى هبوط. النتيجة الأولى أن الدورة الواحدة لأسعار المساكن تستغرق من الزمن ما معدله 4- 4.5 أعوام. والثانية أن معدل التصحيح في أسعار المساكن يبلغ قرابة 23 في المائة بين أعلى وأدنى مستوى لأسعار المساكن. والثالثة أن تذبذب أسعار المساكن بين الارتفاع والهبوط يتأثر بشكل رئيس بكل من القدرة الشرائية للمشتري (المستهلك) ومعدل النمو السكاني. والرابعة أن هناك تأثيرا بسيطا للتغير في معدل الفائدة على التذبذب في أسعار المساكن عكس المتعارف عليه بأن التأثير كبير لمعدل الفائدة في أسعار المساكن. والخامسة أن معدل الائتمان المصرفي يؤثر في تذبذب أسعار المساكن على المدى القريب فقط عوضاً على المدى البعيد. والسادسة أن التصحيح في أسعار المساكن خلال الدورة الواحدة يقلل ربحية مؤسسات التمويل العقاري. والسابعة أن درجة تأثر نمو الاقتصاد الوطني بمرحلة التصحيح في أسعار المساكن تعتمد على طبيعة سوق المساكن ومدى اعتماد هذه السوق على قطاع التمويل العقاري. تقودنا نتائج الدراسة إلى النظر في واقع سوق المساكن في المملكة من واقع مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بالأسعار الجارية حسب التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي خلال مراحله الخمس المتسلسلة الماضية منذ 1960 حتى اليوم للتعرف على خصائص دورات أسعار المساكن في المملكة. حيث مرّ قطاع الإسكان في المملكة بخمس مراحل متسلسلة أسهمت في إيصاله إلى هيئته الحالية من الإنجازات مع وجود مثيلها كما وكيفا من التحديات. الأولى ''مرحلة ما قبل الطفرة'' (1960- 1972) بمساهمته بمعدله قرابة 3.68 في المائة سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي. والثانية ''مرحلة الطفرة'' (1973 -1981) بمضاعفة مساهمته لتصل إلى ما معدله قرابة 7.23 في المائة سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي. والثالثة ''مرحلة ما بعد الطفرة'' (1982-1990) من خلال استمرار بمعدل النمو ذاته في المساهمة المحققة سابقاً، لكن بوتيرة أقل لتصل إلى ما معدله قرابة 8.66 في المائة سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي. والرابعة ''مرحلة التخطيط التنموي الشامل'' (1991-2005) بتراجع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 6.32 في المائة سنوياً. والخامسة ''مرحلة إعادة البناء الاقتصادي'' (2006-2024) بتراجع مساهمته كذلك ليصل إلى 4.45 في المائة سنويا خلال الأعوام الأربعة الماضية. يقودنا تواضع مساهمة قطاع الإسكان في المملكة على الرغم من النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي وما تزامن مع ذلك من ارتفاعات في مؤشرات سوق المساكن في المملكة إلى أن نخلص إلى أن سوق المساكن في المملكة تعيش هذه الأيام حالة من الترقب ذات شقين متناقضين. حالة من الترقب باستمرار صعود الأسعار وتسجيلها مستويات عليا جديدة وغير مسبوقة وبين حالة من الترقب بانخفاض الأسعار وملامستها مستويات القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة في المملكة. يضاف إلى هاتين الحالتين حالة جديدة من الاندهاش من خروج مستويات أسعار المساكن من حدود القدرة الشرائية للطبقة المتوسط وبلوغها حدودا وحيدة أمام البائع. حالة من الترقب المتباين نظرته بين عين البائع وعين المشتري ونظرة تفاؤل ونظرة تشاؤم مع النمو السريع في معدل النمو السكاني والنمو المتواضع في مستويات الدخل بترجيح استمرار مستويات الأسعار عند هذه المستويات غير المعقولة في الأيام القريبة المقبلة.
إنشرها