Author

وفي الكويت عظة..

|
يوم أن كانت آسيا لا تملك إلا مقعدين منفصلين لشرقها وغربها في كأس العالم، بلغت الكويت مونديال إسبانيا 1982، وتوجت قبل ذلك بعامين بكأس آسيا كأول منتخب عربي يظفر باللقب القاري، وتقول إحصائية متداولة على الألسن لا أعرف صدقيتها، إن الازرق المهاب بقي عامين منذ فوزه بكأس آسيا وحتى بلوغ المونديال لم يتلق خسارة. في تلك الأيام كانت الكويت صاحبة الريادة في الكرة الخليجية ونجومها مضرب المثل، جاسم يعقوب، الدخيل، العنبري، محبوب، الطرابلسي، فتحي، البلوشي، الغانم، وآخرون كتبوا تاريخا لبلادهم ما زالت الأجيال تتناقله بفخر وشوق لتلك الليالي التي كان اسم الأزرق وحده ترتعد له الفرائص. البارحة وصلت إلى الكويت التي تقتطع جزءا من قلبي. كنت أناقش مجموعة من الأصدقاء تتنوع ارتباطاتهم بالكرة بين إعلامي ولاعب سابق، كلهم يتفقون على أن المواهب ما زالت موجودة في الكرة الزرقاء كما كان جيل يعقوب والدخيل، وأن المراهقين والشباب ما زالوا يحبون اللعبة حبا جما. يتذكر مضيفي الأعزاء البارحة بشوق بالغ كيف كانت مدرجات الدوري الكويتي تغص بالمتابعين، يسترجعون الحماسة والترقب والانتظار لمباراة العربي والقادسية، يستشهدون بكراسي الملاعب ولو نطقت قالت صدقوا، يتذكرون الرموز ويتحدثون بلهفة المنتظر عن أزرق غائب، في عودته عودة للحياة الرياضية. يتذكرون وفي الذكرى، سلوى للنفس، وفي بعضها ألم حنين، يستدر المآقي ويعطل اللسان، أحدهم قال: أتعرف لماذا أصبحنا هكذا؟ قلت: اسمعني رأيك. قال: نحن ككل العرب مغرمون بالتاريخ لا ننفك عنه، مغرمون بقصص الفرسان الأوائل ونحب أن يكون لدينا دائما فارس يجود به الزمن يقودنا، هو كل شيء، هو القانون، وحاميه، هو النظام ومنفذه، ويكمل: هكذا كانت كرتنا أدارها رجل لا يتكرر، كنا نستمتع بصولاته وننسى ما سواه، ولم يسأل أحد آنذاك: وماذا بعد لو غاب الفارس؟ وحين غاب، غبنا، ويختم: نحن مغرمون بالقانون الرجل الفارس، ولا نفكر في الأجيال اللاحقة. لا أشك لحظة أن الشيخ فهد الأحمد الذي قرأت سيرته مرارا وسمعت بعضا مواقفه من مرافقين ومجايلين له، رجل استثنائي، حمل همَّ الرياضة الكويتية على كتفيه، وبسط المنتخب الأزرق في عهده نفوذه الكامل على الخليج، ثم آسيا ببطولتها القارية، وورقة التمثيل القاري في أولمبياد موسكو، والتأهل إلى كأس العالم، ورحل، رحل فغاب الأزرق عن المشهد إلا من حضور لا يصل إلى ترك بصمة. تعددت الأسماء بعد الشيخ الفقيد، أبناؤه، وأبناء عمومته، ورجال أعمال ومجتمع، حاولوا، اجتهدوا، عملوا، اختلفوا واتفقوا، وبقي الأزرق أسير ماضيه لا يغادره. هل دفنت الكرة الكويتية حين ووري جثمان الشيخ صاحب الكاريزما الخاصة الثرى؟ الوقائع والمعطيات تقول: نعم. أما لماذا؟ فالجواب يحتاج إلى تجرد كامل من العواطف، وتقديم الكل على الجزء وتغليب الموضوعية على الذاتية. فهد الأحمد في الرياضة الكويتية، مثله الفقيد الكبير فيصل بن فهد في السعودية، ترك إرثا كبيرا وثقيلا لمن تلاهما، لم يستطع حمله، تركا تاريخا ذهبيا خلد الرجلين في الذاكرة، ولم يتركا قانونا مؤسسيا لا تتوقف آلته بغياب مشغله، وهنا مربط الفرس، بعد رحيل الفارس. العقل يقول للورثة: لن تكونوا فيصل بن فهد ولا فهد الأحمد، والمنطق ينصح: أسسوا منظومة عمل متكاملة لا تتوقف بغياب أحد، ولا تختزلوا السلطات الثلاث في رجل واحد فقط، وفكروا في الأجيال اللاحقة، لا الماضية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها