Author

تأهيل الشباب والفتيات للحياة الزوجية

|
تحتل العلاقات الاجتماعية في مجتمعنا المرتبة الأولى في حياتنا، ومع ذلك فالثقافة الزوجية بين شبابنا وفتياتنا في أدنى مستوى لها، بدليل ارتفاع نسبة الطلاق في محيطنا الأسري. وهناك دون شك عوامل كثيرة تلعب دوراً بارزاً في تفكيك أواصر العلاقة الزوجية عند حديثي العهد بالزواج. العامل الأول، وهو ربما المهم، عدم فهم أحد الطرفين أو كلاهما المعنى الحقيقي للحياة الزوجية، وما يترتب عليها من مسؤوليات جسيمة لكل منهما تجاه للآخر. فهناك الود المتبادل، والاحترام المطلوب من الزوج للزوجة ومن الزوجة للزوج، وتحمُّل أخطاء ومزاج كل منهما لشريك حياته، وإضفاء قسط وافر من الرحمة لحال أي من الزوجين عندما يكون في حاجة إلى ذلك. والأمثلة كثيرة على الموضوع الأخير. فمرض الزوج أو الزوجة يستدعي من الآخر أن يواسي المريض ويكون قريباً منه ويظهر له أقصى درجات العطف ويخفف عنه مُصابه. وعلى الزوجة التلطف مع زوجها عندما يعود من العمل مُنهكاً أو متضايقاً. وألا يكون الزوج جافاًّ في تعامله مع زوجته ويرحم وحدتها في البيت في الليل، إن كان من الذين يقضون جُلَّ أوقاتهم مع الأصدقاء والأصحاب غير عابئ بنفسيتها وانتظار قدومه إلى البيت. إذن لا بد من التأهيل الاجتماعي للشاب والشابَّة قبل الزواج والتأكد من أن كل منهما قد نضج فكره واستوعب مسؤوليته وفهم جيداً، وليس صورياًّ، أن رباط الزواج أبدي وليس مؤقتاً حسب المزاج. لأن التفريق بين الاثنين - لا قدر الله - أمر خطير وله عواقب وخيمة، خصوصاً بحق الفتاة، كما سيأتي. فمجتمعنا مع الأسف، يُنعت بأنه مجتمع ذكوري، يُقدس الرجل ويمنحه الحق المطلق في التصرف بمصير الحياة الزوجية. وإذا طلق الرجل زوجته لأي سبب من الأسباب التي يختارها هو، يغضون الطرف عما بلغ من العمر ولا يرون بأساً من تزويجه ما يشاء ويختار من البنات، بصرف النظر عن ملاءمة أعمارهن مع عُمره. أما الفتاة المطلقة، فمهما كان عُمُرها، فهي في عُرف المجتمع ''مُطلقة'' ولا يتهيأ لها أن تقترن بزوج قريب من سنها إلا ما ندر. وإذا كان لديها أطفال من زوجها الأول فالأمر يصبح أكثر تعقيداً. لأنها على الأرجح سوف تُخَيَّر بين التنازل عن الأولاد لأبيهم ولو كانوا صغاراً أو البقاء دون زواج. وهذا قمة الظلم والاضطهاد للمرأة. ومما يزيد الأمر سوءا بالنسبة لحال المطلقة، كونها تخرج من بيت الزوجية دون أي حق مهما كان ضئيلاً من مال زوجها الذي جمعه وهي في عصمته، أي تخرج صفر اليدين، إلا من مصروف ضئيل للأولاد إن كان لديها أولاد. وماذا يا تُرى يجب علينا أن نبلغه لأولادنا وبناتنا قبل عقد النكاح والدخول بالزوجة؟ أما بالنسبة للشاب المقبل على الزواج، فإن أول موضوع يجب علينا توصيله إلى ذهنه هو إفهامه أنه رباط أبدي مدى الحياة، وليس بأي حال من الأحوال مجرد محطة تجارب. وعليه أن يكون مستعدا للتنازل عن جزء كبير من الحرية الشخصية التي تعوَّد على ممارستها قبل الزواج. فهو لن يكون حرا في قضاء ما شاء من وقته في السفرات أو السهر مع الشلِّة، وزوجته قابعة وحدها في البيت. وعليه أن يعلم أنه ليس أفضل منها وأن يقدِّر لها صبرها عليه وصيانة ماله وعرضه وإخلاصها له. وهناك أمر مهم يغفل عنه الكثيرون من الشباب المقبلين على الزواج، ولو أدركوا أهميته لزال كثير من مسببات الطلاق. فهم لا يدركون التضحيات الجسيمة التي تقوم بها الفتاة من أجل زوجها، وربما أن معظمهم يعتبرونها أموراً بديهية لا تستحق التقدير وهو خطأ كبير. فبمجرد الانتهاء من مراسم الزواج تنتقل الفتاة إلى بيت زوجها وإلى مقر عمله وإقامته، تاركة وراءها والداها وأخواتها وصاحباتها والبيت الذي عاشت حياتها بين جنباته. واختارت بمحض إرادتها أن تنتقل إلى عالم جديد وغريب عليها، رغبة وحبا في أن تكون بجوار شريك حياتها الجديدة. ولكم أن تتخيلوا مدى التأثير النفسي والعاطفي الذي سيتركه هذا الانتقال على حالتها النفسية لفترة من الزمن. والغريب أن أهل الزوج أحياناً يستكثرون ويستنكرون انشغال ابنهم عنهم بأمور أسرته الجديدة ويتهمون الزوجة بأنها هي السبب في ذلك، ويتناسون أن المحروس ابنهم كان قد غيَّب بنت الناس عن أهلها، وربما نقلها بعيدا عن متناولهم إلى مدينة أخرى. ونعتقد أنه من النادر أن يكون الزوج في مستوى المسؤولية الزوجية والإنسانية، فيكون لديه شعور نحو تقدير وضع الزوجة ومراعاة تقلب مزاجها ومحاولة فهم وقبول تصرفاتها. فلا بد من أن يدرك الشباب عِظم التضحية التي تقوم بها الزوجة من أجل إسعاد زوجها وطاعة أوامره التي تتطلب وجودها بجانبه أينما كان وحيثما ذهب. وفي المقابل، فكل ما على الزوج هو أن يضحي بجزء يسير من حريته التي كان يتمتع بها قبل الزواج. ولا مناص من تحمُّل كل منهما مزاج وتصرفات الآخر، إن اختارا أن يعيشا حياة زوجية هادئة وسعيدة. وعندما يرزقهم الله بالأولاد، فدوام العِشرة أصبح ملزِما بالنسبة للطرفين من أجل تجنب كل ما يثير الفزع في نفوس الأطفال الأبرياء. وهل هناك أكبر مصيبة وأعمق إذاءً بالنسبة للأطفال أن يكونوا شهودا على تفرُّق شمل بيتهم وفراق أمهم عن أبيهم؟ وبأي حق يا شباب ننجب الأبناء والبنات ثم نتنكر لوجودهم ونتسبب في ضياع حياتهم وسعادة طفولتهم لمجرد حدوث خلاف طارئ بين الأب والأم؟ هذا استهتار بالقيم الإنسانية. وتحدث الطامة الكبرى عندما يكون الأب من ذوي النفوس التي لا يعرف صاحبها للرحمة طريقا، فيحرم الأم المسكينة ليس فقط من حضانة أطفالها، بل حتى من رؤيتهم، وهذا قمة الظلم وقساوة القلب. وهو قطعا لا يدرك أنه بمثل ذلك التصرف يعذب به أولاده ويخلق لهم عقداً نفسية لا تعود عليه ولا عليهم بخير.
إنشرها