Author

ماذا يعني تقرير «سيتي جروب» عن استهلاكنا للنفط؟

|
أحد الأنشطة المهمة لشركات الاستثمار والبنوك الاستثمارية وجود قسم أبحاث فاعلة لقراءة الأسواق وتحليل القوائم المالية للشركات المدرجة في الأسواق المالية ووضع التوقعات للأسعار العادلة لأسهم تلك الشركات أو توقعات أسعار النفط والفائدة والعوائد المحتملة. ولعل أحد أهم التقارير التي نشرت أخيرا هو تقرير "سيتي جروب" عن استهلاك المملكة النفطي، الذي قد يجعلها مستوردا للنفط بحلول 2030. والحقيقة أنني لم أطلع على كامل التقرير ما عدا ما نشر عنه في الصحف المحلية. والتقرير ليس مفاجئا للمتابعين والمراقبين للسوق النفطية. بل إن الحكومة السعودية تدرك الاستهلاك المتزايد للطاقة وكذلك الإنتاج المفرط للنفط. وتعمل على إيجاد البدائل بإنشائها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة من نحو سنتين لتبني بدائل للطاقة النفطية مثل النووية والشمسية والرياح. إلا أن من الأهمية بمكان معرفة طريقة البيوت الاستثمارية في تبني الفرضيات وكتابة الأبحاث في محاولة لفهم طبيعة تلك التقارير، حيث سألني أحد الزملاء عن رأيي في هذا الموضوع. إن من المعتاد أن كاتبي هذه البحوث في البنوك الاستثمارية هم محللون ماليون واستثماريون يتبنون نماذج توقعات محددة ومعروفة، ويتبنون افتراضات مبسطة وسهلة لعدم تخصصهم الدقيق في كل مجال رغم أن بعض البنوك الاستثمارية العالمية (ليست في منطقتنا) تخصص باحثين في الطاقة، وآخرين في الصناعة، والخدمات والعقار والاتصالات .. وهلم جرا. والهدف من تلك الأبحاث والنماذج المتبعة الوصول إلى مؤشرات استرشادية لتحركات الأسعار والاستهلاك والإنتاج المستقبلية. وهي تتبنى فرضيات ومستويات نمو معقولة تعتمد على النمو التاريخي والنمو السكاني المتوقع وغيرها من العوامل الخاصة بكل صناعة على حدة، لكنها في الغالب تتجاهل السياسات الحكومية والتغيرات الهيكلية على الصناعة، وتغفل البدائل والتغيير التقني، إذ إن معظم هذه الأبحاث تفترض بقاء كل العوامل الأخرى مستقرة وثابتة، لذا فهي تخرج بتوقعات أقرب للإثارة والمبالغة. إلا أنه لا يمكن تجاهلها كمؤشرات استرشادية يجب الاهتمام بها على المدى القصير على وجه الخصوص. إذ إنها في نهاية المطاف تصدر من أناس مراقبين للأسواق والاقتصادات والأخبار بشكل يومي، ولديهم اتصالاتهم القريبة من صانعي القرار في الشركات المدرجة في الأسواق. ففي أسواق الدول المتقدمة تتم اجتماعات بين هؤلاء الباحثين والإدارات التنفيذية في الشركات المدرجة في الأسواق للاطلاع على استراتيجياتهم وخطط العمل والخروج بآخر التطورات في القطاعات المعنية والعوامل المؤثرة في أدائها. كما أن من الطبيعي أن يلتقي هؤلاء مع صانعي القرار الحكوميين في المؤتمرات الدولية واللقاءات الصحافية للخروج بأفضل تصور ممكن عن قطاع ما. وبناء عليه لا يمكن تجاهل تلك التقارير التي تأتي آنية ومجارية للحدث وتستقرئ مستقبل الأحداث بشكل يسهم كثيرا في تغيير سلوك المتعاملين في الأسواق بالسلب والإيجاب، لذا تتغير معدلات الطلب والإنتاج بناء على سلوك المتعاملين في الأسواق. ما يجبر الحكومات على تبني قرارات تتفاعل مع الأسواق رغم أن تلك القرارات قد تأتي متأخرة. فعلى سبيل المثال، تقوم المملكة بتبني بدائل للطاقة، حيث تنوي بناء 17 مفاعلاً نووياً لخفض الاستهلاك بنسبة 18 في المائة في 2030. وهناك جهود جبارة من الهيئة العامة للكهرباء لنشر الوعي الاستهلاكي من الطاقة والبحث في البدائل في استهلاك الوقود والمياه. وبودي لفت الانتباه لهؤلاء الذين ركزوا على تقرير "سيتي جروب" إلى أن الكثير من الكتاب في جريدة "الاقتصادية" وفي غيرها من الصحف كتبوا حول هذا الموضوع من سنوات خلت ولم يلتفت إليها أحد. كما أن شركة الكهرباء السعودية تنشر تقارير إعلامية وإرشادية في الصحف وعلى موقعها الإلكتروني تتسم بالدقة المتناهية وتحذر من الاستهلاك المفرط في استخدمات الطاقة ومنها النفط، لكننا جبلنا على الاهتمام بسماع الخارج والتفاعل معه أكثر من الداخل.
إنشرها