Author

د. عبد الرحمن الزامل شهبندر التجار والصناع

|
في مقال نشره الدكتور عبد الرحمن الزامل أخيرا وكانت فيه ملاحظات وجهها إلى وزراء المالية، والتجارة والعمل طلب منهم أن ''لا يزعلوا منه'' لأنه أكبر منهم سنا، والحقيقة أن رأس عبد الرحمن اشتعل شيبا في وقت مبكر وكان إخوته وما زالوا يسمونه ''الشايب''، وإن كان معظمهم الآن قد أدركه أو تخطاه في هذا الميدان. ولكن لا يخدعنك ذلك الشيب في رأسه وذقنه، فروح الفكاهة والتفاؤل مع سرعة البديهة كلها تشع من جميع جوارحه وتسري منه إلى من حوله، وهذا في الحقيقة واحد من أسباب عدة جعلتني أرشحه لوكالة وزارة التجارة عام 1981، ولذلك قصة. فبعد ستة أعوام من الخدمة أبدى الأستاذ يوسف الحمدان وكيل الوزارة الوحيد في ذلك الوقت رغبته في ترك الخدمة. وكانت استقالة الوكلاء أمرا غير عادي. وعندما استفسر مجلس الوزراء بعد رفعها وأثناء مناقشة الموضوع عن السبب ذكرت أن الرجل يسكن في بيت مساحته 300 متر، وراتبه الشهري كوكيل وزارة عشرة آلاف ريال، وقد عرض عليه القطاع الخاص 45 ألف ريال مع السكن، ولم أجد من المناسب أن أقف في طريقه، وقد علمت بعدها أن الأجهزة المختصة لم تكتف بإيضاحاتي، وأجرت تحريات معه شخصيا للتأكد من عدم وجود أسباب أخرى ــ كالخلاف مع الوزير مثلا ـــ وعلى أي حال وافق المجلس في النهاية وبدأت البحث عن البديل. كان عبد الرحمن نائبا لمحافظ المؤسسة العامة للكهرباء المهندس محمود طيبة ـــ يرحمه الله ــ وبالمرتبة الخامسة عشرة، ولا يترتب على نقله إلى وزارة التجارة أي ترفيع من الناحية الوظيفية، وعندما حاول الوكيل المستقيل إقناع عبد الرحمن بقبول ترشيحي له سأله: كيف تطلب مني قبول منصب اخترت أنت تركه؟ أجابه يوسف الحمدان بكل بساطة: لأني فقير وأنت معطيك الله. بقيت وقتها مفاتحة وزير الصناعة والكهرباء الدكتور غازي القصيبي ـــ يرحمه الله ـــ، وكنت أجد حرجا عظيما في ذلك. إذ كيف يستغني عن عبد الرحمن في ظل مشاكل الكهرباء وانقطاعاتها؟ لكنني فوجئت أثناء اجتماع اللجنة العامة لمجلس الوزراء بغازي يأخذ بيدي على انفراد ويذكر أنه بلغته شائعات بأني أسعى إلى نقل عبد الرحمن إلى وزارة التجارة، وهنا شعرت أنه أسقط في يدي وأعددت نفسي لعتاب مرير من أقرب صديق وزميل، لكنني فوجئت مرة أخرى به يقترح تقديم طلب نقله مناولة ودون تأخير إلى مجلس الوزراء في اجتماعه في اليوم التالي، وهكذا كان، وربما أنه أسرع نقل وتعيين لوكيل وزارة. كان من الواضح أنه رغم تقدير غازي لخدمات عبد الرحمن إلا أنه لم يكن يرحب بمن يسابقه نحو الميكروفونات والصحف. ويبدو أن أبا بندر وجد ضالته تحت مظلة رئيسه الجديد الذي أطلق له العنان فأخذ يهدد التجار بالويل والثبور وعظائم الأمور، والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه رفع الأسعار، إلى درجة أنه أتاني اتصال من والدي ـــ يرحمه الله ــ يسأل عن صادق خلخالي، وعندما سألته من يقصد؟ قال إنه يقصد عبد الرحمن، وكان صادق خلخالي هذا ــــ لمن لم يدركه ــــ قاضيا اشتهر أول ثورة الخميني بتعليق المعارضين والمخالفين على أعواد المشانق دون تأخير، بعدها أفهمت عبد الرحمن أنه يمكنه الاستمرار في تصريحاته ولكن حرصا على دقتها وسلامتها من الناحية اللغوية، عليه عرضها عليَّ قبل نشرها. وزيادة في الحيطة كنت إذا رأيت ميكروفونا في قاعة طلبت إخفاءه كي لا يراه فينطلق نحوه. استمرت خدمة عبد الرحمن في الوزارة 14 عاما وتركها حين تركتها، وكان خلالها وبالتعاون مع الوكلاء الذين عينوا بعده الأستاذ توفيق إبراهيم توفيق والدكتور محمد بن حسن الجبر ـــ يرحمه الله ـــ خير عون في عمل الوزارة، وكانت اجتماعاتنا الصباحية اليومية الساعة الثامنة والنصف منطلقا لمناقشة مسؤوليات الوزارة وحل مشاكل المواطنين. رحلة عبد الرحمن العملية التي بدأت من التدريس في جامعة البترول مرورا بالمؤسسة العامة للكهرباء، ثم وزارة التجارة، فمجلس الشورى، فرئاسة مجموعة الزامل بعد وفاة أخيه الأكبر محمد ـــ يرحمه الله ــ، استقرت به الآن في رئاسة غرفة الرياض التي حل دورها في رئاسة مجلس الغرف السعودية. وقد جاء ذلك بعد انتخابات حضارية شهدها الجميع، وهنا لا بد أن نتذكر أن العملية الانتخابية في الغرف التجارية ليست وليدة اليوم أو الأمس، وإنما ترجع إلى عام 1946م، حين صدر نظام غرفة جدة في عهد الملك عبد العزيز ـــ يرحمه الله ــ والذي ما زال يتمثل في انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الغرفة من قبل التجار والصناع الذين يحملون سجلات تجارية، وتعيين الثلث من قبل وزير التجارة والصناعة، تلك التجربة مطبقة منذ زمن بعيد في جمعيات الشركات المساهمة، وطبقت كذلك في المجالس البلدية وفي هيئات ونواد أخرى، ومن يدري لعل هذه التجربة تمتد إلى مجلس الشورى مستقبلا كجزء من خطوات التطوير التي وسعت من عضويته وأتاحت تعيين المرأة ابتداء من الدورة المقبلة. لقد وجد عبد الرحمن الآن منبرا مهما يخطب من فوقه فينتقد ويمدح وينصح ويصرخ ويطلق النكات ولن يتوقف. هذه تركيبة شخصيته وعلينا أن نتقبل ذلك بصدر رحب، فالرجل ليس غريبا علينا ولا يشك أحد في إخلاصه وخبرته ونقاء سريرته. شهادتي في عبد الرحمن مجروحة بحكم العلاقة العائلية والصداقة والزمالة، ولكن ذلك لا يقلل من اعتزازي بتجربتي مع الغرفة ورؤسائها السابقين لأكثر من 20 عاما. هنيئا لعبد الرحمن بالغرفة وهنيئا للغرفة بعبد الرحمن. * «شويّخ من غرفة الرياض بوسط الأسواق يغني» تضمين لمطلع أغنية لخالد الشيخ اشتهرت وقت تعيين د. عبد الرحمن: شويّخ من أرض مكناس بوسط الأسواق يغني
إنشرها