Author

اقتصاديات الإنتاج الحيواني وتحقيق الأمن الغذائي والصحي (1 من 2)

|
ستظل الأقلام عاجزة عن نقل الأرقام الحقيقية وتحليلها ومعالجتها لطرح آراء شمولية ترضي وتقنع المتطلعين للمشاركة في دفع مسيرة التنمية بما اكتسبوه من علم ومعرفة. إن متابعة العديد من المواقع الإلكترونية الرسمية لتحليل بعض الأرقام الخاصة بموضوع أعلاف الدواجن وزيادة الأسعار وجدت أن آخر أرقام يمكن الاعتماد عليها هي لعام 2010 وبالطبع للأعوام الخمسة السابقة له. لهذا السبب تكون الحلول والآراء التي يطرحها الكتاب دائما ما ينقصها الميزة والإبداع إلا فيما كتب الله له التوفيق. إن العالم من حولنا يخطط وينفذ ويرصد فيدرس ليطور بشكل سريع ويعلن نتائجه من خلال نشر علمي ورقي وإلكتروني، سواء في المجلات المرموقة أو حتى صفحات الجرائد التي لديها أقسام تشيد بها الأقسام العلمية بالجامعات. لماذا لا يكون مثل هذا التوجه لدينا؟. لقد أصبحت مسألة الدواجن والبيض غير واضحة المعالم وما يصلنا هو تقارير من السوق قيمتها فيمن بلغ بها، أو تصريح يشكر عليه ولكن ''نريد حلا'' علميا ويجعل المستهلك يثق في المستثمرين وباقي المهتمين (Stakeholders). كنت أتوقع خروج دراسة توضح حجم المشكلة وبالتالي وضع الأولويات والممكن للسير فيه، وبالتالي تكون قد فتحت أمام الإعلام والمتخصصين ما يمكن طرحه لتوعية العامة. كنت أتوقع أن أقرأ تقريرا يصدر عن وزارة الزراعة أو إحدى الجمعيات أو صندوق التنمية الزراعية يفند بعض الأخبار ويعزز قوله بالأرقام التي يمكن أن يوفرها للباحثين المتخصصين في الجامعات السعودية ليقترحوا لنا كيف أننا وقعنا في مشكلة عالمية؟ أو يرسلها للمجتمع فيطمئنهم، لأنه لدينا علم مسبق وتحركنا في هذا الاتجاه أو ذاك، وسنحد من خسائرنا ولن يتكلف المستهلك أكثر من توفير المنتج بوقت متأخر بعد التنسيق بين المربين والمستثمرين. مع أن مشكلة الأعلاف إحدى أهم مشاكل صناعة تربية وإنتاج الدواجن، إلا أن مراقبة الأوضاع على مستوى العالم وعلى مدار الساعة هو من شأن الجهات المعنية محليا فنتوقع ما يحصل منذ عام أو أكثر. لماذا لا يكون لدينا خارطة لمراكز القوى في الأسواق المختلفة تقينا نسبة كبيرة من وطأة المفاجآت؟. ماذا لو كان في كل وزارة أو هيئة مرصد يعمل على مدار الساعة يقوم بتتبع الأحداث المتعلقة بــ ''الأمن الغذائي'' و''الأمن الصحي'' و''الأمن البيئي'' فيتم تحديث البيانات وتحليل المعلومات، ويتم التواصل مع المراكز البحثية في جامعاتنا أو مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية للمشورة والوصول لحلول نابعة من الداخل؟. لقد بدأنا في دراسة العلوم الزراعية حقليا ومعمليا وتمكنا من تعلم اقتصادياتها منذ أكثر من 40 عاما، والخبرة الطويلة المكتسبة لا شك تخول لنا نشر الرسائل التوعوية ووضع البدائل قبل التحرك نحو الحل الصحيح، ووضع المستثمرين تحت المجهر لألا يتسببوا في مطبات صناعية حلولها موجودة سلفا. فهل بعد ذلك يحرجنا قحط الولايات المتحدة الأمريكية الذي انخفض فيها إنتاج الذرة بما يعادل 40 مليون طن بين عامي 2011 و2012 فقط؟. مع أن المتخصص والمهتم وبعض المستثمرين في هذا المجال يريد أن ينقل للأطراف كافة، كيف يمكن أن نتحمل الظروف ونشعر ببعضنا البعض تحت سقف المسؤولية الاجتماعية، إلا أن في المعادلة عنصر ما زلنا نبحث عنه. كان يمكن خلال هذه العقود مثلا تجهيز معامل لتطوير الزراعة والإنتاج الحيواني والعمل على استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لتجيب على تساؤلاتنا بحلول بديلة سريعة وممكنة اقتصاديا أو زراعيا أو صناعيا أو غير ذلك؟. ولريثما يتم ذلك كان يمكن طرح اللجوء لكبريات الدول المنتجة لهذه الأعلاف مثل البرازيل أو الأرجنتين أو أستراليا بدلا من أن يحرجنا هذا القحط ''غير المهضوم''. إن قطاع الدواجن إذا ما تغير مساره أو تأثر سلبا فنحن نضيّع مكاسب بنيت عبر عقود مضت جعلت منا منتجين فيه، وأصبحت المشاريع المنتشرة دليلا على وجود بنى تحتية في بعضها لا تضاهى. لماذا إذا لا نبدأ في الاستفادة من الخبرات الموجودة محليا بدلا من استمرار إرسال العينات للخارج واستشارة عملاء دوليين في تخصص لم يعد جديدا واتباع حلول وقتية نلجأ لها عند حصول مشكلة. للأعلاف مشاكل أخرى أيضا، فنوعيتها ومصادرها وتخزينها مشاكل في حد ذاتها فكيف إذا ذكرت مشاكل الإنتاج الحيواني عموما؟. إن الأمراض الوبائية والمعدية تؤثر صحيا واقتصاديا بشكل قد يفقدنا ميزة إنتاجية واقتصادية في المنطقة، في حين أننا يمكن أن نستمر في ذات المستوى لو أننا اتبعنا واتخذنا بعض التدابير الهامة، لضمان ديمومة النجاح. هنا يمكن ذكر صعوبة الحفاظ على نظافة الأقفاص والحظائر والمساكن باستمرار حيث تكون الأيدي والأحذية القذرة، والمعدات والسيارات غير المصانة، وسوء التعامل مع الطيور المصابة أو المجروحة ومصادر المياه غير المراقبة بجدية هي مصادر للتلوث والعدوى الممرضة التي إن توافقت مع وفادة أي مرض معد فستكون مزارعنا تحت وطأة كارثة لا مفر منها. من ناحية أخرى لو اهتممنا بتشغيل خريجينا واعتمدنا عليهم وحافظنا على تطوير التنظيمات أو تطبيقها حسب المعايير العالمية والمحلية فهل كنا سنفاجأ إذا ما علت موجة في العالم برفع سعر أو شح إنتاج؟. وللحديث بقية.
إنشرها