Author

محاربة الغش تتطلب أسلحة متطورة أيضاً

|
.. وإن تأخر وجود قانون في مجلس التعاون الخليجي، خاص بالمنافسة والغش التجاري، فإن إشهاره قريباً، سيزيل كثيراً من منغصات الحراك الاقتصادي في دول المجلس، ولا سيما في المملكة. كما أنه سيعزّز التكامل الاقتصادي الخليجي، الذي شهد تأخراً (هو الآخر) في استكمال أدواته. سيرفع القانون المزمع من وتيرة الأداء التجاري والصناعي والاستثماري، وسيغيّر ما تبقى من النظرة السلبية للمنطقة في هذا المجال، وسيحد من خسائر المؤسسات الشرعية الاقتصادية المختلفة، وسيوفر ضمانات (بعضها مصيري) لمؤسسات بعينها. هذا القانون سيدعم بصورة مباشرة كل مَن يحتاج إلى الدعم في حراكه على صعيد الإنتاج والسوق، وسيمثل دفعة قوية لنمو الإنتاج (بكل أشكاله)، وسيرسم له الطرق المثلى للتطوير والتجديد. إنه قانون ضروري جداً، ليس فقط لإحقاق الحق، بل أيضاً لـ ''مأسسة'' المنافسة الإيجابية. ولأنه كذلك، فقد كان من الأفضل أن يُطرَح للتنفيذ قبل عشر سنوات أو عشرين سنة. ورغم سلبيات التأخر في إشهاره، إلا أنه سيوفر الأدوات القانونية والتشريعية الحتمية، لإصلاح الخلل في المنافسة والغش التجاري، وسيطلق مناخاً اقتصادياً جديداً، لا يخص دول المنطقة فقط، بل دول العالم التي ترتبط بمصالح واستثمارات في المنطقة. الغش التجاري آفة اقتصادية، كلما تأخر القضاء عليها، زادت الثغرات في هيكلية الحراك الاقتصادي. وهو في الوقت نفسه يقوض المنافسة. وفي أحسن الأحوال يشتتها. ولأنه آفة أو وباء، فهو يُحدث خسائر عديدة، بل مصائب متكررة، كما أنه سهل الانتشار. وكلما كَبُر اقتصاد بلد ما، كبرت الآثار السلبية (وأحيانًا المدمرة) للغش التجاري. والأمر (في الواقع) يتطلب استهدافاً دائماً له، بل تطوير الأدوات لمحاربته. فهو أيضاً متطور الأشكال والأساليب. وكما في محاربة اللصوص، حيث يستدعي الأمر محاكاة عقولهم لمحاربتهم، كذلك الأمر مع الغش التجاري. فعلى المكافحين لهذا الغش، أن يفهموا ذهنية ''الغشاشين''، وأن يمضوا في مكافحتهم على أساسها، وعلى تنوع وتجدد أمراضها. ليس غريباً أن تصل الخسائر الناجمة عن الغش التجاري طبقاً للتقديرات غير الرسمية في دولة بحجم السعودية إلى 40 مليار ريال سنوياً. وإن كان هناك مَن يقول، إن هذه الخسائر أكبر من ذلك بكثير. وعندما تقول وزارة التجارة في المملكة: إن عدد البلاغات الرسمية عن الغش التجاري يصل إلى 15 ألف بلاغ شهرياً، فهذا يعني أنها ستصل إلى 20 أو 30 ألف بلاغ في المرحلة المقبلة، إذا لم تتوافر الأدوات الناجعة والمؤثرة، للحد من الغش. وهذه الخسائر، لا تصيب الجهات المعنية بها مباشرة، بل تنتقل تلقائياً إلى الاقتصاد الوطني. إلى جانب ذلك، تدفع بالمنافسة الحقيقية والمشروعة إلى الزاوية، بل تقضي على حوافز المنافسة نفسها. وفي ظل تنامي الحراك الصناعي في منطقة الخليج ككل، فإن الخسائر الناجمة عن الغش والتدليس والممارسات الاحتكارية، تزداد باطراد. ومن أجل ذلك، بات وجود قانون واضح وحاسم في هذه المسألة، أكثر من ضروري. لماذا؟ لأنه سيحمي الصناعات الوطنية، وسيسهم في تشجيع الاستثمارات المحلية والإقليمية والأجنبية، في وقت تتحرّك فيه دول مجلس التعاون الخليجي، بخطوات متسارعة نحو تنويع مصادر الدخل، وتطوير اقتصادات متكاملة العناصر والقطاعات. وإصدار القانون المشار إليه، لا يعني بالضرورة أن الأمور ستتحسن فوراً؛ لأن الأمر يستوجب تطوير وتحديث الأدوات الرقابية الحكومية في المنطقة، وتحديداً في المملكة. فأفكار ''الغشاشين'' والمدلسين والمحتكرين متجددة ومرنة في آن معاً. وقرار ''الحرب'' على الغش، لن يكون مؤثراً، دون ''سلاح'' يوفر التنفيذ الأمثل له. إنها عملية ليست سهلة، ولكن إذا ما استكملت أدواتها، فستنتهي دول الخليج من مشكلة كانت منذ عقود مصدراً رئيساً للأضرار الاقتصادية، ومعها السمعة المطلوبة للتنمية والتنويع والازدهار.
إنشرها