Author

ليلة ماتورانا (2)

|
في ليلة ماتورانا التي تحدث فيها أكثر مما أكل من عشائه، قلت له: يتهمونك بضعف الشخصية ويستدلون بما حدث في معسكر النصر ليلة نهائي كأس الملك في العام الماضي؟. ابتسامة ماكرة ارتسمت على محياه، تحاشى النظر إليََّ مباشرة، وقال: ماذا حدث؟ أجبته: يبدو أنهم على حق إذا كنت لا تعرف. انفرجت ابتسامته عن أسنان صغيرة، استوى على مقعده، وضع السكين والشوكة على أطراف الطبق، امتص هواء أكثر وزفره كأنه يشعل سيجارة، وقال: سأحكي لك حكاية تكررت معي مرتين في فريقين كبيرين. استرعى انتباهي وتركيزي أكثر، أنصت له يسرد حكايته: عندما كنت أدرب الهلال، ذهبنا إلى كوريا للعب ذهاب مباراة السوبر الآسيوي, عدنا بهدف في مرمانا، الكوريون حضروا إلى الرياض بـ 13 لاعبا فقط، أعدنا الهدف لمرماهم ثم تغلبوا علينا بالركلات الترجيحية، وتلقيت هجوما كاسحا من الإعلام، أتعرف ماذا حدث صبيحة المعسكر؟ قلت: أخبرني. تابع: صحوت باكرا كالعادة، عند مدخل المعسكر وبالمصادفة وجدت اللاعب الشاب (...) يحاول التسلل للدخول إلى معسكري، استوقفته وسألته: أين كنت؟ وكيف هربت؟ وأين ذهبت طوال الليل؟ كان متعبا ومرهقا ويستوعبني بصعوبة, ويواصل ماتورانا: قررت أن أبعده عن المباراة رغم أهميته في فريقي بل كان نجمه الصاعد آنذاك ومرشحا للتسجيل في المواجهة، ويتابع: اجتمع بي اللاعبون الكبار في الفريق، قالوا لي: اتركه ينام الآن وسيكون جاهزا في المساء، وتوسلوني العفو عنه، أصررت وأبعدته وخسرت البطولة كما قلت لك، رغم أنه كان من الممكن أن يشارك بعد أن نام بعمق واستجمع قواه وأصبح جاهزا. يضرب كفا بكف وكأنه نادم على قراره، ثم يعود مسترسلا: في معسكر النصر حدث الشيء نفسه، كانوا ثلاثة، تألمت لأن أحدهم لاعب صاعد وواعد، قلت له: لماذا تفعل هذا بنفسك يا بني؟ لم يجبني بل طأطأ رأسه، نظرت في عينيه وناصحته: هذا نهائي كأس الملك قد لا تلعبه مرة أخرى، لماذا تضيع الفرصة يا بني، أنت تستطيع أن تقودنا للنصر. شعرت بالألم في صوت ماتورانا وهو يكمل حديثه: قلت في نفسي تلك الليلة، أنا مدرب ولست حارس أمن للمعسكر، لست شرطيا، تذكرت لاعب الهلال لحظتها وقررت أن يشارك المخالفين في معسكر النصر في النهائي. تتسع عيناه وهو ينظر تماما في عيني، ويكمل: في الحالتين المتشابهتين اتخذت قرارين مختلفين، وفي المرتين خسرت. ماذا تريدني أن أفعل، هل أخطأت؟ ربما لكن أكرر لك: أنا مدرب كرة قدم، لست مصلحا اجتماعيا. حاولت أن أنسيه الألم في القصتين, ذهبت في اتجاه آخر: كيف ترى الأخضر مع رايكارد؟ لم أعرف لحظة السؤال أني موعود بمحاضرة شيقة، استعاد شوكته والسكين، وقال: فرانك مناسب للكرة السعودية، يحب الهجوم، لكن عليه أن يكون أكثر واقعية، لاعبو السعودية لا يعرفون كيف يدافعون. في كرة القدم الحديثة الأهم ألا يسجل فيك، الهلال أكثر الفرق تسجيلا للأهداف في الموسم الماضي، ثم الأهلي، ثم الشباب، لكن الأخير كان بطل الدوري، لأنه تلقى أهدافا أقل. قاطعته: ربما ذلك جزء من شخصية وثقافة الإنسان العربي الذي يرى الدفاع جُبنا والهجوم شجاعة. ضحك، وواصل: أعتقد ذلك، وتابع: في النصر مثلا، أطلب منهم مهام دفاعية، وأجدهم يتسابقون للأمام ويتركون مواقعهم، لا يوجد فريق في العالم يستطيع الهجوم باستمرار الآن، إلا برشلونة ومنتخب إسبانيا، عندما كنت مدربا لكولومبيا قلت للاعبين: دائما نهاجم ونخسر ما رأيكم أن نجرب الدفاع؟ دافعنا وضربنا مرمى الأرجنتين خمس مرات، عندما تدافع تكشف ثغرات أكثر في الفريق المقابل. قلت لماتورانا: ستدرب في السعودية مرة أخرى؟ أجاب: لا أظن، دربت أكبر فريقين فيها، ماذا يمكن بعد؟ قلت: الاتحاد والأهلي كبيران أيضا، ظهرت أسنانه مرة أخرى، ورد: الاتحاد لديه مشكلات مالية وإدارية أكثر من النصر. سألته: ماذا ستفعل بعد عودتك إلى بوغوتا؟ أجاب: سأمنح بعض الوقت لوالدي الكبير ولعائلتي، سألتقي أصدقائي حول العالم، لن أفكر في العمل حاليا. ليلة عشاء ماتورانا الماتعة زادت حماستي في إصدار كتابي المعلق عن الأحاديث التي جمعتني بشخصيات رياضية خارج التلفزيون، مثله وكالديرون، ومارادونا، وكانافارو، وكوزمين، ورادان، وماريون جونز، وأحمد الفهد، ومحمد بن همام، والرجل الخفي في الرياضة السعودية، وآخرون سأضيفهم إلى القائمة قبل أن اتقاعد، ولذلك سأحتفظ بحديثه عن مالك ومانسو وغالب وسامي إلى حين.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها