Author

هل ستجعلنا ''تالا'' نبدأ بأنفسنا أولا؟

|
في قضية ''تالا'' المؤلمة، انتشرت الرسائل في وسائل التواصل الـ ''واتس أب'' و''البلاك بيري'' مطالبة بفتح حضانات، لتضع الأم العاملة أبناءها فيها، مذيلة بأسماء الأمهات المطالبات بذلك، وكتب الأستاذ نجيب الزامل في مقال الجمعة ناقلا ما قاله وليد السويدان في برنامج الثامنة مع الشريان: علينا أن نقيم الحضانات في المدارس ومقار الأعمال، فهي كفيلة ـــ بإذن الله ـــ ''بحفظ'' أطفالنا و''تشغيل'' بناتنا. ثم ذكر الزامل اقتراحا رائعا للغاية للبنات اللاتي تخرجن ولم يجدن عملا، إنشاء حضانات في الأحياء، حتى لو كانت البداية من بيوتهن. تذكر لي صديقتي أن مدرسة حكومية في الدمام بعد حلقة الشريان، طالب فيها المعلمات بإيجاد حضانة، محضراتٍ أبناءهن معهن للمدرسة ولداخل الفصول أثناء الشرح! الأمر الذي فوجئت به مديرة المدرسة. أود التركيز على الفرق بين الحلّين، بين بث الرسائل المُطالِبة الدولة بالتحرك لفتح الحضانات وبين اقتراح الأستاذ الزامل للمبادرة الذاتية من الأفراد ومن الأحياء بنفسها. بالطبع كلا الحلّين مشروع، لكن الحل الثاني ذو فاعلية أكبر بكثير وله أبعاد أقوى وأجمل، فإذا اعتاد أفراد المجتمع دائما وضع الحلول بأنفسهم والمبادرة بتنفيذها كانت النتائج أروع وأقوى وأنجح من المطالبة دوما وأبدا للجهات الحكومية. نعم الجهات الحكومية عليها مسؤوليات كثيرة، ولنا الحق في مطالبتها، لكن المشاركة والفاعلية في المسؤولية تُحسّن حتى من أداء تلك الجهات. بل ومن ثقافة المجتمع بأكمله! حتى في الدول الأوروبية التي عادة توفر حضانات في مراكز العمل، لديها حضانات من منازلهن الخاصة. الحضانة ممكن تعتبر نموذجا لا يكلف الكثير من المال بقدر الإرادة. ويكون الدور الحكومي فيها الإشراف فقط والمتابعة إن أمكن. وبهذا لا نحل فقط مشكلة وجود حضانات لأبنائنا بل المسألة تتعداها لأبعد من ذلك أن شيئا من ثقافتنا ''تحرّك'' ليبدأ فعليا معتمدا على نفسه ومُشارِكا حقيقيا في حل مشاكله. إن فعلا كهذا كفيل بأن يفعل الكثير بل يمتد لأبعاد أخرى، لأنه بلا مبالغة مبادرة فعلية تدخل ضمن ما ينادي به مرارا المفكر الجزائري مالك بن نبي، ويعوّل عليه كثيرا أنه مفتاح وسبب للتطور والتنمية حين يعي الأفراد واجباتهم ويبادروا بها قبل أن ينتظروا الحقوق. بل يؤكد دائما أن ثقافة الواجب إذا تأصلت فينا أتت الحقوق أوتوماتيكيا بعدها وبلا تعب. ولو استصعبت إحداهن أن تبادر بنفسها وتبدأ فعلا بحضانة من بيتها للحي الذي تسكنه. أتمنى فقط لحظتها أن نقيس العبء على الجهات التنفيذية وخصوصا على مستوى المدن والبلاد بأسرها. وأنا هنا لا أدافع عن تلك الجهات بقدر ما أريد أن نلتفت ولو قليلا إلى أن ''المبادرة''، والعمل ليسا أمرا سهلا بسهولة إطلاق الكلام، وأن الاعتماد على النفس يصنع الكثير، وإن بدأ بأبسط الإمكانيات المتاحة يجب ألا نقلل من قدره. فإذا تمكنا من حل مشكلة الحضانة تمكنّا لاحقا من إيجاد حلول لمشاكلنا الأخرى والأكبر! وبإمكاني هنا أن أستشهد مرة أخرى بمبادرة جيهان عشماوي بعمل أفلام قصيرة تحت عنوان: ''أنت بخير''، لدعم مريض السرطان نفسيا وثقافيا، حين رأت بتجربتها الشخصية أن المستشفيات لا توفر هذه الخدمة لمرضاها، فبدأت بإمكانياتها البسيطة جدا. ماذا لو كان هناك المزيد والمزيد؟ ''السقوط مسموح لكن النهوض واجب'' مثل روسي.
إنشرها