Author

تقرير «سيتي جروب» .. نظرة مغايرة

|
تعرَّض تقرير ''سيتي جروب'' الأخير، الذي جذب الكثير من التعليقات الصحافية، للاستهلاك المحلي المفرط لمصادر الطاقة في المملكة وتأثيره السلبي في مستقبل تصدير النفط بعد عقدين من الزمن، ما يحرم الدولة من الدخل النفطي. وبصرف النظر عن النتائج التي توصل إليها التقرير، وكتب كثير من الكتاب والمتخصصين الأفاضل تعليقات فيها الكفاية على الموضوع، فنود أن نبدأ من حيث انتهى التقرير. ومن المعروف أنها ليست الدراسة الوحيدة التي توصلت إلى النتيجة نفسها، ونقصد تآكل الكميات النفطية المعَدة للتصدير بسبب نمو الاستهلاك المحلي للوقود. فقد تنبأت دراسة أخرى سبقتها بأشهر عدة، وصدرت عن ''تشاتام هاوس''، أحد مراكز الدراسات البريطانية، وتوصلت إلى أن المملكة ستفقد قدرتها على تصدير النفط في عام 2038، بدلا من 2030 الذي جاء ذكره في دراسة ''سيتي جروب''. وتعليقنا لن يكون عن مضمون تلك الدراسات والتقارير المبنية عليها ولا عن مدى صحتها من عدمه، بل عن جوهر القضية التي تتمثل فيما ذكروه من أن المملكة ستجد نفسها بعد عقود عدة في عهد جديد من بداية استيراد، إضافةٍ إلى ما تحتاج إليه من الوقود النفطي، رغم إدراكنا أن المملكة ستكون آخر من يتحول إلى مستورد للمشتقات النفطية. لكن السؤال المهم في نظرنا، الذي قد يتبادر إلى الذهن في تلك المرحلة من الزمن، هو: من أين لنا المال الذي سندفعه قيمة للوقود الإضافي، إذا توقف تصدير النفط الذي يكاد يكون المصدر الوحيد لدخلنا القومي؟ ناهيك عن احتمال عجزنا عن استيراد أي بضاعة من الخارج للسبب نفسه! وأين الخطط الاستراتيجية الوطنية التي ستخلق لنا اقتصاداً محلياً جديداً مُنتِجاً يدر علينا دخلاً ولو متواضعاً بعد أفول عصر النفط؟ لا شيء على الإطلاق! فإذن الخوف على مستقبلنا ليس فقط من ارتفاع استهلاكنا للمشتقات النفطية وحرماننا من فرص تصديرها، بل أيضا من عدم وجود أي مصدر آخر من الممكن أن نعيش عليه، نحن وأجيالنا، سواء كان ذلك بعد عقدين أو خمسة عقود أو أقل أو أكثر، فالزمن يسير بسرعة مذهلة مع استمرار الغفلة والانشعال عن الأمور الجوهرية. وسيكون وضعنا، لا قدر الله، انعكاساً مباشراً لإهمالنا اليوم وانصرافنا عن البحث عن مخرج ينقذنا من مصيرنا المحتوم، يوم لا نفط ولا ماء. أما أولئك الذين لا يفتأون يتحدثون عن ضخامة مخزوننا النفطي وأن ليس له نهاية، فلا نقول لهم أكثر من البقاء لله. ومع ذلك، فنحن عندما نحاول إثارة الهمم لتوعية المجتمع من أجل أن يعي واجباته نحو مستقبله ومصير أجياله، لا ندخل في حساباتنا الحوار ''البيزنطي'' حول النهاية الاقتصادية للنفط. فالمهم هو أن نبدأ من الآن تحويل الاعتماد شبه الكلي على اقتصاد ريعي متمثلاً ومنحصراً في الدخل النفطي، إلى اقتصاد مُنتِج حر يعتمد على إنتاجية أفراد المجتمع. وهذا يعني تحويل مجتمعنا من حال رق وعبودية الدخل النفطي إلى أمة منتِجة، تعي ما لها وما عليها، وتعتمد على سواعد أبنائها في بناء مستقبلها، حتى في وجود النفط وهو الوقت الأنسب، نظراً لتوافر المال قبل الزوال. وليس لدينا مثال لخلق بيئة اقتصادية ذات مردود إيجابي على المجتمع السعودي اليوم أفضل من العمل على إنشاء مرافق كبيرة لصناعة توليد الطاقة الشمسية في المملكة، وهي ذات مكاسب متعددة. فنحن الآن نملك المال الفائض عن حاجتنا الآنية، وعلى أرضنا توجد المواد الأولية اللازمة لصناعة الخلايا الشمسية، وشوارعنا تمتلئ بالشباب العاطل عن العمل، وهو متعطش للحصول على فرص أي عمل شريف ومثمر. وقد اتفق الكثيرون من مسؤولين ومتابعين على أن وقت إدخال الطاقة الشمسية إلى منظومة توليد التيار الكهربائي في بلادنا كان قد حان منذ أمد بعيد. والطاقة الشمسية، التي تؤتي قمة ثمارها في وسط النهار، هي الحل الأمثل لذروة الطلب على الطاقة الكهربائية المكلِفة حاليا. وأسعارها أصبحت، بما لا يدع مجالاً للشك، منافسة لجميع مصادر الطاقة الأخرى المعروفة الموجودة في المملكة، إذا أخذنا في الاعتبار أهميتها القصوى وقت الذروة والأسعار العالمية للمشتقات النفطية. وسينتج عن صناعة الطاقة الشمسية واستخدام عشرات الألوف من الشباب في التصنيع والتشغيل والصيانة، اقتصاد حيوي ومستديم. والحاجة إلى مزيد من إنتاج الطاقة الكهربائية لا حدود لها مهما بلغ مستواها، فهي أشبه بالماء وضرورته للحياة في هذه البلاد. فإذا أجلنا الحديث الآن عن إمكانية تصدير الطاقة الكهربائية إلى بلد الجوار، فمن نافلة القول التذكير بأهميتها كوسيلة حديثة لمساندة سير وسائل النقل البري داخل المدن وخارجها، من أجل توفير الوقود النفطي وتسهيل أمور المواطنين. وما زلنا نتحدث عن فرص استثمار أموال فائضة، إذا لم نحسن استخدامها اليوم فلا محالة ستكون مُعرّضة للضياع، أو على الأقل، لفقدان نسبة كبيرة من قيمتها نتيجة لعوامل التضخم المالي المستشري في اقتصادنا. ولو تدبرنا الأمر بروح تملأها الرغبة الصادقة في خدمة أمتنا وأجيالنا القادمة فسنجد، دون أي جدال، أن استثمار فائض أموالنا في مشاريع الطاقة الشمسية هو الأقل خطورة على مستقبل تلك الأموال والأعلى مردوداً من أي استثمار آخر. فالطلب على الكهرباء مضمون، وهو في ارتفاع مستمر. ومرافق توليد الطاقة الشمسية هي الأكثر أماناً بين معظم المجمعات الصناعية، نظراً لبساطة مكوناتها وخلوها من المعدات الميكانيكية الدوارة، وعلى وجه الخصوص المرافق التي تستخدم الخلايا الكهروضوئية لتحوِّل الإشعاع الشمسي مباشرة إلى الكهرباء. نتمنى من كل قلوبنا ألا يكون هناك تواكل وتهرب من تحمل المسؤولية وتباطؤ مسرف في اتخاذ القرارات المصيرية، فالرؤية واضحة وضوح الشمس والحاجة إلى بدائل لمصادر الطاقة أصبحت مطلباً استراتيجيا.
إنشرها