Author

التضخم.. الحلول التقليدية لا تفيد

|
عاد التضخم إلى الواجهة، وعادت معه أساليب محاربته نفسها، بزيادة الدعم ووقف التصدير، ومع ذلك ارتفعت الأسعار. وهذه السياسات قد تنجح لفترات مؤقتة، لكنها لا تنجح على الدوام، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع. والمتابع لطبيعة اقتصاد المملكة يعتقد أن أفضل الطرق لخفض الأسعار هو الدعم، خصوصا أن المملكة غنية بإيراداتها البترولية، وباحتياطاتها المالية الضخمة، إلا أن استخدام المال دائما قد لا يكون الحل. بل إن المال يعطي حلولا وقتية وغير دائمة، ما يجعلنا نطالب بالتفكير خارج الصندوق لمحاربة ارتفاع الأسعار، ليس فقط أسعار الدواجن في الوقت الحالي، وليس الحبوب والأرز كما فعلنا في السابق، بل سياسة اقتصادية شاملة تجعل من اقتصادنا أكثر مرونة وسرعة في التفاعل مع التضخم. ويتطلب ذلك تضافر جهود الوزارات المعنية مثل التجارة والمالية والتخطيط وممثلين للقطاع الخاص لوضع استراتيجية واضحة المعالم للتفاعل مع ارتفاع الأسعار. إن من البديهيات أننا دولة مستوردة، ونعتمد على الدول الأخرى في الغذاء والكساء والدواء والتنقل. ومتى ارتفع سعر سلعة ما، فإننا نتوقع أن ترتفع أسعار السلع الأخرى. لذا لا يمكن أن نحارب جزئية الغذاء ونغفل جزئية الدواء والكساء مثلا. ومن البديهيات أيضا أننا نتأثر بارتفاع الأسعار عالميا، فارتفاع أسعار الذرة عالميا بسبب موجة الجفاف رفعت أسعار الأعلاف، وبالتالي الدواجن، كما هي الحال في ارتفاع أنواع اللحوم الحمراء الأخرى. ولم يكن ارتفاع الأسعار مفاجأة لنا. فقد حذرت منظمة الأغذية العالمية (فاو) منذ بداية العام من ارتفاع الأسعار بسبب موجة الجفاف. وهي تخذر الآن من زيادة محتملة قد تتجاوز 15 في المائة منتصف العام المقبل، لذا فإن الحلول التقليدية التي استخدمناها في الماضي قد لا تجدي كثيرا الآن وفي المستقبل. فسياسة الإعانات مثلا تساعد التاجر مباشرة، ولا تساعد المستهلك النهائي. بل حتى في حال انخفاض الأسعار لسلعة ما، فإن مستهلكي تلك السلعة هم المستفيدون فقط. فإذا كانت مجموعة من الناس لا تأكل الأرز، فإن مجموعات أخرى لا تستفيد من عمليات الدعم. إن أفضل وسيلة لمحاربة التضخم هي في استخدام السياسات النقدية المتمثلة في تغيير سعر الفائدة. ولأن سياسة سعر صرف الريال السعودي مرتبطة بالدولار، فإن سياسة استخدام سعر الفائدة لا تفيد شيئا في خفض الأسعار أو تغيير قيمة الريال. ما يجعلنا نطالب أولاً برفع قيمة الريال (مع بقائه مرتبطا بالدولار) وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول رفع القوة الشرائية للمواطنين والمقيمين، وهذا لا يعني زيادة الطلب بقدر ما يعني أن القرار أصبح في يد المستهلك، ودوره سيكون أكثر تأثيرا في الأسعار بخفض الطلب أو زيادته. والهدف الثاني أن تكاليف رفع قيمة الريال ستكون أقل من تقديم دعم للأسعار وزيادة الرواتب على المدى الطويل. فإذا كانت تكاليف رفع قيمة الريال هي ارتفاع أسعار الصادرات السعودية في المدى القصير وخفض قيمة الاحتياطات الأجنبية، فإن تكاليفه على المدى الطويل سيكون أقل على موازنة الحكومة والاقتصاد ككل من سياسات الدعم وسياسات رفع الأجور، خصوصا إذا اتخذت الحكومة السعودية تدابير أخرى لدعم الصادرات مثل إنشاء بنك لدعم الصادرات والواردات وهيئة لدعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة. والهدف الثالث أن تأثير رفع قيمة الريال شمولي، حيث يشمل كل المواطنين والمقيمين بجميع شرائحهم، وليس فئة دون أخرى. وإذا نجحنا في ذلك (رفع قيمة الريال) فإننا نحتاج إلى سياسات أخرى لدعم الفقراء بتوزيع بطاقات غذاء ودواء وقود مثلا، بدلا من رفع إعانات الضمان الاجتماعي، ما يحقق مرونة للحكومة في حال رغبتها مثلا في رفع أسعار الوقود مستقبلا، حيث لن تتضرر الفئة الفقيرة. وهذه المقترحات لا تعني إلغاء سياسة الدعم كليا ووقف التصدير، فهذه السياسات قد تستخدم بشكل مؤقت وقصير، ذلك أن سياسة الإعانات تشجع الصناعات غير التنافسية وغير الفعالة، ما يسبب هدرا في الموارد الطبيعية مثل المياه والوقود. لذا فإن سياسة الإعانات يجب أن تكون مؤقته، وألا تكون على حساب المنافسة وهدر الموارد الطبيعية، ما يدعو إلى وضع معايير شاملة وواضحة لسياسات الدعم تأخذ في الحسبان والاعتبار ثلاثة أشياء: الاكتفاء الذاتي، التنافسية (أسعار محلية أقل)، وتأثيرها في الموارد الطبيعية. فإذا كانت أعباء ذلك مرهقة للاقتصاد والأجيال القادمة، فإن من الأولى عدم استخدامها البتة.
إنشرها