Author

«فيتو» ضد توطين الوظائف الرقابية

|
من غير المعقول أن يتم تعيين غير سعودي على رأس هرم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أو ديوان المراقبة العامة، أو إدارة المباحث الإدارية، أو الهيئة العامة للغذاء والدواء، أو الإدارة العامة لمكافحة الغش التجاري، أو غيرها من الأجهزة الرقابية الأخرى التي تراقب سير العمل في باقي أجهزة الدولة للتأكد من التزامها بالأنظمة، والقوانين، والتعليمات التي تضعها الدولة لأجهزتها لتسير عليها وفق منهجية واضحة ومعلنة للجميع. كما أن توطين هذه الأجهزة الرقابية لا يقف عند رأس الهرم، بل يتعداه إلى باقي الوظائف الأخرى في هذه المنشأة الرقابية أو تلك. والمنطق خلف ذلك أن مصلحة الدولة تؤمن في توطين الوظائف الرقابية ودرجة حرصها على سلامة أمن الدولة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا لا نجد درجة الحرص هذه لدى القائمين على توطين الوظائف الرقابية في القطاع الخاص. بل إن الأمر يتعدى هذه الممارسة غير المسؤولة إلى قرب أن تصبح ظاهرة بوسم الوظائف الرقابية في القطاع الخاص وحصرها في غير السعوديين في مؤشر خطير يهدد الأمن الاقتصادي للدولة ويدعو إلى التأكيد على معالجته اليوم قبل التضحية في الغد. عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى أعضاء الإدارة التنفيذية في الشركات السعودية المدرجة في السوق المالية السعودية ''تداول'' بهدف الربط بين درجة نجاح هذه الشركة أو تلك في أداء دورها المنتظر في دعم الاقتصاد السعودي وبين مستوى توطين وظائفها الرقابية، آخذين في عين الاعتبار ما حدث أخيرا من تحفظات لدى هيئة السوق المالية نحو ممارسات عدد من الشركات المدرجة نتج عنها تعليق تداول أسهمها ومهددة حقوق مالكي الأسهم ومستوى الثقة بالسوق. حيث يبلغ عدد الشركات السعودية المدرجة 156 شركة موزعة على 15 قطاعا اقتصاديا مختلفا. تؤدي كل شركة دورا اقتصادياً مختلفاً في الاقتصاد السعودي حسب طبيعتها وأهدافها، لكنها تشترك في مهمة دعم نمو الاقتصاد السعودي واستدامته. وعلى الرغم من تباين النشاط الاقتصادي لهذه الشركات، إلا أن طبيعة وظائفها تشترك في تقسيم واحد لوظائفها بين وظائف ''القيادة''، و''المبيعات''، و''التشغيل''، و''الرقابة''. فوظائف ''القيادة'' تضم مهام إدارة دفة الشركة وقيادتها نحو تحقيق أهداف الشركة وتطلعات مساهميها، كوظائف التخطيط، والحوكمة، وصناعة القرارات والسياسات. ووظائف ''المبيعات'' تضم مهام التمثيل الخارجي للشركة كوظائف خدمة العملاء، وتطوير المنتجات، والمبيعات. وظائف ''التشغيل'' تضم مهام توفير البنية التحتية للشركة لتمكينها من أداء عملها في تحقيق أهداف الشركة وتطلعات مساهميها، كوظائف تقنية المعلومات، والعمليات، والشؤون الإدارية. وأخيراً، وظائف ''الرقابة'' تضم مهام مراقبة توجيه الموارد المالية وغير المالية للشركة نحو تحقيق أهداف الشركة وتطلعات مساهميها، وظائف الموارد البشرية، والتدقيق الداخلي، والشؤون المالية، والمخاطر. ومن الأمثلة في السوق المالية السعودية ''تداول'' التي أسهمت في تحريك المياه الراكدة نحو المطالبة بحصر الوظائف الرقابية في القطاع الخاص على الكوادر الوطنية ما حدث في كل من شركة مجموعة محمد المعجل وقبلها الشركة السعودية للاتصالات المتكاملة من تطورات أدت إلى تحفظات مالية وإدارية لدى هيئة السوق المالية أجبرتها على تعليق تداول سهميهما لفترة من الزمن حماية لحقوق المساهمين. حيث يتضح من النظر في أعضاء الإدارة التنفيذية لشركة الاتصالات المتنقلة وجود غير السعوديين في الوظائف الرقابية الخاصة بالشؤون المالية، والتخطيط، والعقود التجارية. وكذلك في شركة مجموعة محمد المعجل يوجد غير السعوديين في وظائف الشؤون المالية ومراقبة المشاريع وتمثيلهم معدل 95 في المائة من إجمالي الوظائف الرقابية في الشركة. وحجر الزاوية هنا وجود هذه الوظائف الرقابية في أيدي غير السعوديين ودورها في مراقبة توجيه موارد الشركات وبناء التزاماتها المالية نحو الغير. وعلى الرغم من الديباجة التي أزكمت الأنوف بعدم وجود الكوادر الوطنية المؤهلة لتولي مهام الوظائف الرقابية في القطاع الخاص، إلا أن مراجعة السيرة المهنية لأعضاء الإدارات التنفيذية في هذه الشركات توضح تواضع سيرهم المهنية في ظل وجود العشرات إن لم يكن المئات من أقرانهم السعوديين في سوق العمل الحاملين لسير مهنية تفوق سيرهم المهنية. إننا ونحن نرفع الصوت ونشحذ الهمة في المطالبة بتمكين الكوادر الوطنية ننطلق من أداء القطاع الخاص المتواضع منذ عقود مضت نحو سعودة الوظائف وتوطينها. فهناك فرق بين هذه المصطلحات أوضحها مجلس القوى العاملة في السابق. يشير دليل مجلس القوى العاملة إلى أن مصطلح ''السعودة'' يعني قصر العمل على السعوديين. وهو يتخلف عن مصطلح ''توطين الخبرات'' الذي يعني التدرج في إكساب العمالة السعودية المعرفة الفنية من العمالة الوافدة عن طريق الاحتكاك والمسؤولية. والمصطلح الثالث مصطلح ''توطين الوظائف'' الذي يشكل محور المقال ويقصد فيه استبدال العمالة الوافدة بعمالة سعودية وفق مراحل تدريجية ذات جوانب كمية من حيث العدد، ونوعية من حيث المهن والقطاعات. وعلى الرغم من وضوح الفرق بين هذه المصطلحات الثلاثة، إلا أن جهود القطاع الخاص ما زالت تدور في فلك ''السعودة'' فقط من خلال قصر العمل على السعوديين في وظائف بعيدة عن الشؤون الرقابية وتحقق النسب المقررة من وزارة العمل دون التقدم نحو مصطلح ''توطين الوظائف'' من خلال فتح الوظائف الرقابية أمام الكوادر الوطنية ومصطلح ''توطين الخبرات'' من خلال إكساب العمالة السعودية المعرفة الفنية من العمالة الوافدة عن طريق الاحتكاك والمسؤولية. إننا نجد على الرغم من جهود الماضي في فتح المجال المهني أمام الكوادر الوطنية لتمكينهم من أداء دورهم المنتظر في القطاع الخاص أن القائمين على توطين الوظائف في القطاع الخاص لا يحرصون على توطين الوظائف الرقابية لديهم. بل إن ممارساتهم تتوجه إلى أن تصبح ظاهرة تحصر الوظائف الرقابية في القطاع الخاص في غير السعوديين في مؤشر خطير يهدد الأمن الاقتصادي للدولة ويدعو إلى التأكيد على معالجة هذه الممارسات غير المسؤولة اليوم قبل التضحية في الغد من خلال ثلاثة أمور، الأول: أهمية النظر نحو فرض توطين الوظائف الرقابية في القطاع الخاص. والثاني: ربط استدامة منشأة القطاع الخاص في التوطين الكامل لوظائفها الرقابية. والثالث: وسم منشأة القطاع الخاص التي لا توطّن وظائفها الرقابية بوسام تحذير تمهيداً لتخوين وطنيتها.
إنشرها