FINANCIAL TIMES

مناهج التربية الوطنية تثير التوتر بين الصين وهونج كونج

مناهج التربية الوطنية تثير التوتر بين الصين وهونج كونج

اندهشت يوين تشان من أعداد أولياء الأمور والطلاب في هونج كونج الذين انضموا هذا الصيف للاحتجاجات ضد إدخال مناهج ''تعليم وطني'' في بكين عن الصين الشيوعية. ''لم يسبق لي أن رأيت هذا العدد الكبير من عربات الأطفال في مظاهرة''، كما تقول الأستاذة الجامعية، في إشارة إلى تجمع كبير عقد في تموز (يوليو). وتضيف في حدث آخر هذا الشهر، حيث انهار محام بعد ثلاثة أيام من الصوم: ''هذا قد لمس وترا حساسا، فسكان هونج كونج يشعرون بالحاجة للدفاع عن القيم التي تخص هونج كونج''. حتى هذا الشهر، أملت الحكومة في هونج كونج في إدخال ''التربية الأخلاقية والوطنية'' التي سخر منها عديد من مواطني هونج كونج، حيث إنها بمثابة تلقين مذهبي، لأنه حذف مذبحة ميدان تيانانمين في عام 1989 وعمليات التطهير من قبل الماويين في الستينيات والسبعينيات من منهج التاريخ. وأشيد بالحزب الشيوعي في المواد التعليمية ''كمواد تقدمية، وغير أنانية ومتحدة''، على النقيض من الديمقراطيات الغربية المفككة. تستولي هذه الاحتجاجات ضد هذه العقيدة، على الحالة المزاجية العامة بدرجة كبيرة، حتى أن موقعا إباحيا على شبكة الإنترنت قام بتعطيل صفحته مؤقتا ووجه تعليمات للمستخدمين بالخروج والتظاهر. الأهم من ذلك اندهاش الوسطاء الموالين لبكين في هونج كونج. صرحت حكومة هونج كونج، آخذة عظة من الاحتجاجات التي استقطبت أكثر من 100 ألف شخص، في 8 أيلول (سبتمبر)، بأن المدارس يمكن أن تقرر ما إذا كانت تريد تدريس السياسة الحزبية أم لا. على الرغم من هذا الانتصار، أضرب ثمانية آلاف طالب من جامعة واحدة للمطالبة بحذف كامل لهذا المنهج. فبعد ما يقرب من 15 سنة من عودة هونج كونج للصين في تموز (يوليو) 1997، كشفت هذه الاحتجاجات الحماسية هوة متسعة من انعدام الثقة بين شعب هونج كونج، المدينة الليبرالية الثرية التي يقطنها سبعة ملايين نسمة، والديكتاتورية في بكين التي تعين كبار المسؤولين في المدينة وتكون مسؤولة عن أمنها والشؤون الخارجية. يبين نجاح المحتجين أيضاً اتجاها أوسع، حيث تحتاج بكين لأن تكون أكثر مرونة تجاه المعارضة داخل حدودها، كما تناضل من أجل تحقيق توافق في الآراء أكثر إيجابية من قوتها العالمية المتنامية. في مدينتي هايمين وشيفانغ، على اليابسة، تعين على السلطات الصينية خلال الـ 12 شهرا الماضية تقديم تنازلات لمطالب المحتجين حول تلوث المصانع. وفي مدينة ووكان، سمحت السلطات لقادة الاحتجاجات ضد الاستيلاء على الأراضي من قبل مسؤولي الحزب أن يتم انتخابهم في لجنة القرية. تتطلب حساسية الأشخاص في المركز المالي الحيوي في هونج كونج أيضا، اتخاذ خطوات للوراء بعناية من قبل المسؤولين الذين كانوا يسعون على ما يبدو لكسب ود بكين. تحت إطار حكومة ''دولة واحدة ونظامان'' الذي وضعه دنغ شياو بينغ، الزعيم الصيني الراحل، فإن المستعمرة البريطانية الرأسمالية السابقة كانت تتمتع بحرية الصحافة وتدار من قبل هيئة قضائية مستقلة وخدمة البلدية المحلية لمدة 50 عاما. وقد أبقت بكين على وعودها في الغالب ولكن مجموعة واسعة من القضايا وترت العلاقة بين الصين الشيوعية وشعب هونج كونج. وقد قوض الخلاف حول المناهج المدرسية والغضب تجاه بكين إدارة ليونغ تشون ينغ، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي للمدينة في 1 تموز (يوليو). لدى ليونج جدول أعمال طموح يتيح مزيدا من المنازل بأسعار معقولة - حيث تبلغ تكلفة الشقة بمتوسط 400 قدم مربع، 11 ضعف متوسط الدخل السنوي - ورفع المستويات المعيشية للفقراء. ولكن قامت بانتخابه لجنة من 1200 من رجال الأعمال، معظمهم من الموالين لبكين والجمعيات المهنية. ما زال عديد من سكان هونج كونج يشكون في علاقاته الوثيقة مع بكين، وازداد هذا الشك سوءا من خلال الخلاف حول ''التعليم الوطني''. يجعل هذا الشك وضع المدينة صعبا على نحو متزايد لإدارتها، حيث انتُخِب أكثر من نصف المشرعين المحليين في هونج كونج قبل أسبوع، من خلال نظام تقليدي لشخص واحد وصوت واحد. فهم يميلون إلى ممارسة سلطاتهم المحدودة من خلال منع المبادرات الحكومية. ''المشكلة لتشون ينغ أن المناخ السياسي في هونج كونج يسيطر عليه حق النقض السلبي'' كما يقول أحد مستشاري الحكومة. ويقول هذا المستشار: ''ذلك لأنه ليس هناك حزب حاكم وعدم انتخاب رئيس السلطة التنفيذية ديمقراطيا. فأصبح عامة الناس على استعداد متزايد لعمل تحركاتهم الاحتجاجية الخاصة''. خلال العام الماضي أو نحو ذلك، تراكم الغضب ضد زوار البر الرئيس الصيني لأسباب مختلفة. البعض مستاء من منح معاملة تفضيلية لسكان البر الرئيس في متجر دولتشي آند غابانا المحلي. وآخرون غاضبون من أن أمهات الطبقة المتوسطة الصينية يملأن أقسام الولادة بحيث يمكن أن يلدن أطفالهن في هونج كونج ويصبح المولود من مواطني هونج كونج. وينحون باللائمة على المسؤولين الصينيين الأثرياء ورجال أعمال البر الرئيس، الذين ينخرطون في ما ينظر إليه كهروب رأس المال من الصين، للمساهمة في ارتفاع أسعار العقارات المحلية بنسبة 85 في المائة منذ عام 2009. في الشهر الماضي، أثارت حكومة مدينة شنتشن، مدينة البر الرئيس الحدودية، مزيدا من الاستياء من خلال الإعلان عن أنها ستمنح 4.1 مليون من العمال المهاجرين في المدينة تصاريح دخول متعددة المرات لهونج كونج. وبينما زار ما يقرب من 28 مليون سائح من البر الرئيس هونج كونج في عام 2011، يقدر مصرف إتش إس بي سي أن إنفاقهم على البيع بالتجزئة بلغ ما يعادل عشرة مليارات دولار أمريكي، أو خُمس مجموع الإنفاق على التجزئة في هونج كونج. لكن على الرغم من إنفاقهم العالي، عبر عديد من السكان عن استيائهم في شوارع المدينة المكتظة بالسكان اكتظاظاً غير مريح. ''عديد من المشاكل في هونج كونج هي من صنع الصين نفسها أو هي نتيجة لمحاولة دمج مجتمع ليبرالي'' في ديكتاتورية شيوعية، على حد قول ديفيد زويج، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا. بمعنى أن، المشاكل التي تطفو على السطح اليوم هي جزء من اللغز في التغاضي عن تسليم هونج كونج للصين في عام 1997. تزداد تحديات إدارة المدينة مع قيم مضادة لبكين سوءا، مع الميل الشيوعي لرؤية أي معارضة من خلال منظور نظريات المؤامرة. هذا الصيف، في مؤتمر عقد في المدرسة المركزية للحزب في بكين، رفض نواب الحزب مخاوف بشأن المعارضة لبكين في شوارع هونج كونج، قائلين إن الولايات المتحدة والقنصليات البريطانية هي المسؤولة عن ذلك. الحقيقة هي أكثر ابتذالاً. فهناك تقليد ليبرالي قوي في هونج كونج، وهو أن الناس لديها إمكانية الدخول على موقع فيسبوك، وهو من المواقع المحظورة في الصين. كان أحد قادة الاحتجاجات الأكثر وضوحا، يشوع وونغ (15 عاماً)، وهو من محبي موراكامي هاروكي، الكاتب الياباني، استخدم هو وغيره من الشباب موقع فيسبوك لحشد المتظاهرين. قد لا تكون شرطة هونج كونج والمحتجين أكثر مدنية؛ حيث قام متطوعون بتوزيع زجاجات المياه والوجبات الخفيفة لآلاف من المتظاهرين، وكان معظمهم في المرحلة الثانوية. تطوعت أجني تسي، ناشطة في سن الثلاثينيات من عمرها، في مجموعة أمهات تيانانمين، وهي مجموعة تسعى إلى التحقيق في مقتل الشباب المحتجين في عام 1989. وأصبحت أكثر غضبا وأكثر اهتماماً بالتدخل الصيني في شؤون هونج كونج على مدار الأعوام القليلة الماضية. وتعتقد السيدة تسي أن مسألة انتقال هونج كونج إلى التصويت العالمي أمر متروك لها، متوهمة أن يقوم الحزب الديمقراطي المحلي بمقابلة القادة الصينيين في 2010 لمناقشة هذا الأمر. (وعاقب المدلون بأصواتهم الحزب في الانتخابات المحلية في 9 سبتمبر، ما عزز من استقالة قائد الحزب). في حزيران (يونيو) شاركت السيدة تسي في تنظيم احتجاجا ضد وفاة غامضة في حضانة ناشط تيانانمين، لي وانجيانغ. وبعد أربعة أيام من وفاته، صرح المسؤولون بأنها حالة انتحار، نظم الآلاف من سكان هونج كونج مسيرة في وسط مركز المدينة. وأصبح هذا موضوعاً متكرراً في العامين الماضيين، مع احتجاج الناس على احتجاز آي ويوي، الفنان الناشط، وغيره. مزيد من هذه المسيرات يزيد من عدم الثقة ببكين. وعرضت أيضاً وسائل إعلام هونج كونج مقعداً فريداً من نوعه في المنصة للمدافعين بشكل دائم ومستبد في الصين عن الفضائح السياسية وأحداث غش الأغذية. ليس من السهل قراءة هذه الأحداث، ففي يوم الأحد، عرضت ''باو مينغ''، وهي صحيفة هونج كونج الصينية اليومية في صفحتها الأولى صورا للشرطة فى مدينة شنتشن وهي تطلق الغاز المسيل للدموع وتضرب المواطنين الذين حضروا مظاهرة مناهضة لليابان في المدينة. ونشرت صحيفة ''ساوث تشاينا مورننج بوست''، صحيفة هونج كونج باللغة الإنجليزية اليومية، خبراً عن واقعة ضرب الشرطة الصينية أحد مصوريها بالهراوة. من ناحية أخرى، تنتاب رجال الأعمال في هونج كونج حالة من القلق من أن الكراهية تجاه الصين، والسياح من البر الصيني يخاطرون بتفكيك علاقة اقتصادية تكافلية مربحة. ويلاحظ ويلي لين، صاحب مصنعين لملابس التريكو في الصين ورئيس مجلس إدارة مجلس النسيج في هونج كونج، أن الصينيين بالفعل يسافرون إلى باريس للتسوق بأعداد كبيرة. ويضيف: ''بإمكانهم السفر بتكلفة خمسة آلاف رنمينبي (790 دولارا) ويتسوقون في متجر لافيتي، فهم يلقون ترحيبا هناك''. ويخشى لين من أنه إزاء تراجع الحكومة في قطاع التعليم، سيكون من الصعب عليها تحمل الاحتجاجات ضد المبادرات السياسية الأخرى. ''باحتلال المحتجين المكاتب الحكومية يكونون قد حققوا ما يريدون، فهو مثل أول قطرة دم، ''حسبما يقوله لين في مصنعه في مدينة دونغوان، وهي مدينة تكثر فيها مصانع مملوكة في معظمها لرجال أعمال من هونج كونج ورجال الأعمال التايوانيين. كما أعرب عن مخاوفه بشأن كيف يمكن لمجموعة من مزارعي هونج كونج الاحتجاج على النقل المخطط الذي وقع تحت الحصار في مقار الحكومة المحلية الأسبوع الماضي. ''هونج كونج تسير في الطريق الصعب''، يضيف معلقا، بشأن مدينة كانت تشتهر بالكفاءة تثير المخاطر: إنها لم تعد تعمل''. وبالنسبة للصين، الاستياء المتزايد ضد دورها في هونج كونج هو أحد أعراض مشكلة كبرى - صعوبات بناء الدعم لرؤية سياساتها العالمية الاستبدادية. حدد جوزيف ناي، الدبلوماسي والباحث الأمريكي، القيم والثقافات على أنها ''القوة الناعمة'' التي تتمتع بها الولايات المتحدة، إضافة إلى القوة العسكرية. وهذا أثبت أنه بعيد المنال على الصين. على النقيض من ذلك، تعتبر كوريا الجنوبية رائدة في المجال الإعلامي الثقافي، ويمكن أن تفخر بأسماء تجارية معترف بها في جميع أنحاء آسيا. وقد حصلت الهند، على الرغم من الفوضى السياسية والفقر، على فضل التحول إلى نظام ديمقراطي. بكين تواجه مهمة شاقة لإقناع جيرانها بالترحيب بقوتها المتنامية. على وجه الخصوص، دفع عدوان الصين على احتياطيات الطاقة وحقوق الصيد في بحر الصين الجنوبي، بلدانا مثل الفلبين وفيتنام إلى حضن الولايات المتحدة. ويلاحظ زوينغ أنه كان ينظر إلى الولايات المتحدة أيضاً على أنها لا تزال متنمرة ولا تحظى بشعبية في الشرق الأوسط، ولكنه يضيف أنها على الأقل تعمل على إشراك منتقديها في الداخل والخارج. ''من الصعب أن تكون بكين قوة صاعدة، فهي بحاجة لأن تتقبل آراء الطرف الآخر''. كما أوضحت الأحداث خلال الأسابيع الأخيرة في هونج كونج أن قيم بكين الاستبدادية والدعاية تعني أنها فشلت في إحراز أي تقدم حتى في معركة العلاقات العامة الدائرة على عتباتها. التجار عبر الحدود: تصاعد العداء المحلي للتصاعد البري لثلاثة أضعاف ''باسترجاع مقولة شيونغ شوي! نحمي منازلنا''، هذه كانت إحدى صيحات الحشد الصغير، ولكن الغاضب، الذي تجمهر في نهاية هذا الأسبوع في محطة العبور الجماعي السريع في داخل حدود هونج كونج مع البر الرئيس الصيني. احتج نحو 50 شابا، البعض منهم يحمل إشارات معادية للصين وأعلام للحقبة الاستعمارية لهونج كونج، على ''التجار الموازين'' الذين يسافرون بأعداد كبيرة إلى المدن الصينية المجاورة ويأتون بالبضائع لبيعها في هونج كونج. وعلى نطاق أوسع يعكس الاحتجاج أيضاً الكراهية المنتشرة لسكان البر الرئيس الصيني الذين يعتقدون أن لديهم امتيازات فيما يخص البضائع والخدمات الإقليمية. وفي أعقاب الفضائح الكبيرة مثل كارثة 2008 المميتة التي اشتملت على بودرة أطفال ملوثة التي كثفت المخاوف حول الغش الغذائي في الصين، فإن المطلوب حالياً هو أن تكون المنتجات التي تباع في هونج كونج أكثر أماناً. وهذا خلق فرصة تجارية كبيرة؛ حيث من المقدر أن عدد التجار الموازين يبلغ ثلاثة آلاف تاجر يقومون بعملية السفر من المدن المجاورة وإليها أربع مرات في اليوم، بحسب ما أفاد تقرير صحيفة ''مورنينج بوست'' الإنجليزية في جنوب الصين أمس. ويقول عديد من السكان إنهم غاضبون من جموع الوافدين اليوميين التي لا تبقى سوى بضع ساعات فقط - لفترة تكفي فقط لتحميل كل شيء بدءا من مسحوق حليب الأطفال إلى المشروبات وأجهزة الآي فون. في يوم الجمعة، وهو يوم عادي في محطة شيونغ شوي، توجد حشود عائدة عبر الحدود فيها امرأة عجوز تسحب عربة تحمل عبوتين بوزن 22 كيلوجراما من كعك القمر، وهو طعام شهي يؤكل عادة خلال مهرجان منتصف الخريف الصيني. ويقول النقاد إن التجار الموازين يشوهون المخزون المعروض في المتاجر المحلية ويرفعون الأسعار. والبعض يتوقع أنهم يهرِّبون أجهزة إلكترونية بكميات كبيرة. ويعبر نقاط التفتيش الخاصة بالهجرة يوميا أيضاً أطفال صغار في أعمار طلاب المدرسة ظاهرة غير تقليدية، حيث اختارت أمهاتهم الولادة في مستشفيات في المدينة، لمنحهم حقوق الإقامة - بما في ذلك الحق في الالتحاق المجاني بالمدارس التي ينظر إليها على أنها أفضل من تلك الموجودة في البر الرئيس الصيني. ولم يساهم هؤلاء بأي شيء لتمويل تلك المدارس، التي يدفع ثمنها من خلال الضرائب المفروضة على سكان هونج كونج. في إحدى المدارس الابتدائية الحكومية في مدينة شيونغ شوي، حيث يدرِّس المعلمون البريطانيون والإيرلنديون اللغة الإنجليزية والدراما، يأتي 90 في المائة من التلاميذ من خارج الحدود. ويهتم مدير المدرسة بوضوح بفرض رسوم على التلاميذ تشبه رسوم الحدائق. لكنه يقول إنه يخشى أن الأسر الغنية تستفيد من النظام للحصول على الفوائد التي من الأفضل توجيهها إلى الفقراء من السكان المحليين. ويضيف: ''إن هذا من الظلم لأطفال هونج كونج''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES