Author

الناس والإدارة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
سلوك نخب المجتمع مؤثر، والناس تقلدهم، ذلك لأن الناس جبلوا على التقليد: تلقيد الصغير للكبير والفقير للغني والمرؤوس للرئيس والمحكوم للحاكم. وقد جاء في القرآن الكريم ما يعضد ذلك. يقول الله سبحانه في سورة إبراهيم: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ" الآية. ذكر الطبري في تاريخه قائلا: "كان الناس إذا أصبحوا في زمن الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا: من قُتل البارحة ومن صُلب ومن جلد؟ وكان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع والضياع. فولى سليمان بن عبد المالك فكان صاحب نكاح وطعام فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري. فلما ولى عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل ما وراءك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ وما تصوم من الشهر؟ وحين أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسواريه قال‏:‏(إن الذي أدى هذا لأمين)‏!‏ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ (يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى فإذا رتعت رتعوا‏). الأتباع يعدون المتبوعين قدوة، ومن ثم ينظرون لهم نظرة تقليد. وتعود أهمية القيادة إلى أن العنصر البشري هو أهم العناصر الإنتاجية، التي تعمل على تحقيق أهداف المشروع المنشود أيا كان. وجود قيادة تستطيع تحقيق بذل الجهود اللازمة لإنجاز المهام مطلب، والقدرة على القيادة سلعة نادرة لا يتمتع بها إلا القلائل من أفراد المجتمع. والقيادة ليست بالضرورة سياسية فقط، هناك قيادات إدارية أو تربوية أو مجتمعية.. إلخ. وللقيادة دور أساسي في تحفيز من تحت سلطتها (التابعين) للقيام بواجباتهم. والمجتمعات العربية متخلفة اقتصاديا، ومن ثم فلا بد أن هناك أمراضا في القيادة والإدارة العربية، أذكر ما أراه أهمها: الواسطة. المحسوبية. الاستبداد. النفاق الإداري. الانفصام الإداري. الظلم الإداري. تدني الكفاءة.. إلخ. وعكس هذه الأمراض الخدمة والشورى والعدالة وحسن المعاملة. يقول المثل العربي القديم "كبير القوم خادمهم". ويقول بيتر دركر عالم الإدارة المعروف "يستمد المدير سلطاته من قبل المرؤوسين لها"، أي أن المدير الناجح هو الذي لا يستخدم سلطاته بل يقنع الناس بها. ومن العدل أن تقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. وأما الشورى في أبسط صورها فهي تبادل الرأي بين جماعة من الأفراد في أمر من الأمور أو هي صورة من صور النصيحة وشكل من أشكال التعاون. باختصار، فإن تقليد الأتباع للمتبوعين مشاهد. ويعبر عن طبيعة بشرية تدرس في علم النفس. وآلية التقليد آلية معقدة وتشمل ما هو أعمق من مجرد الإيمان بالقائد. ولعلها تبنى على جذور نفسية عميقة، وبعض التصرفات محيرة، تجمع بين الخوف وعدمه، بين الحب والكره. ولا أدخل في تفاصيل، لأن الكاتب ليس متخصصا في هذا.
إنشرها