Author

هل آن الأوان؟

|
ما زلت أتذكر عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية، مقولة لمن تعلمت وما زلت أتعلم من حكمته وبعد نظره في الحياة، عمي الدكتور جميل الجشي، إن عطاء الشخص في أي وظيفة يجب ألا يتعدى خمسة أعوام، وإن اختلفت معه في المدة، وتبرهنت حكمته من خلال نظام الوزراء الذي حدد مدة تولي الوزير منصبه بأربعة أعوام. إن الشخص يبدأ وظيفته بحماس يتزايد إلى أن يصل إلى مرحلة لا أعلم إن كان بالإمكان إطلاق عليها "تبلدا" ولا أعلم إن كان للكرسي عدوى تصيب من يجلس عليه مدة طويلة، فلا يستطيع مع الوقت تركه ويزداد تمسكه به، فقد تختلف قدرات البشر في العطاء، فهناك من يستطيعون العطاء لمدة كبيرة وهم قلة، ومنهم من لا يستطيع ذلك ويتحول عطاؤه إلى ابتكار طرق في كيفية المحافظة على منصبه، فسواء الشخص كان ممن لديهم القدرة على العطاء أو ممن كان عكس ذلك، فإنه يجب عليه إتاحة الفرصة لدماء جديدة قد تتميز في عطائها، وإن كان لا بد من وجوده فلا بد أن يتجه إلى مجال آخر يعطي فيه من جديد، أو أن ينحصر ما يقوم به في التوجيه وتقديم المشورة فقط. وخلال تشرفي بالعمل التطوعي من خلال الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية عايشت تجربة تعلمت منها الكثير، وأول من سألته بماذا ينصحني، بعد تعييني الأول في الغرفة من قبل وزير التجارة والصناعة وقتها الدكتور هاشم يماني الرجل الخلوق، كان عمي جميل، فأجابني بحكمة: لا تكن قاسيا فتكسر ولا لينا فتعصر، وحاولت أن أقدم ما استطعت بإخلاص وحسن نية ورغبة في خدمة الوطن أولا والقطاع الخاص ثانيا، والآن أعيش الدورة الثالثة، أي أنه مر على وجودي في غرفة الشرقية نحو 11 عاما وما زلت أتذكر اتصال الأخ عبد الرحمن الراشد الرئيس الحالي للغرفة (الذي يتعلم منه الكثير..) قبل تعييني للمرة الأولى، وتجربة الاجتماع الأول في منزل الأخ معن الصانع لاختيار الرئيس والاجتماع في مكتب الرئيس المرتقب والإصرار على التزكية وإصراري على فتح باب الترشيح في قاعة الاجتماعات. ومرت السنون وخضت حمى الانتخابات للمرة الأولى بعد أربعة أعوام، ويا لها من تجربة تحمل الكثير من الدروس في فن اللعب الانتخابي، وتشرفت باختيار الصناعيين لي كرئيس للجنة الصناعية، وحاولت جاهدا خدمتهم وتقديم الممكن والمحاربة لغير الممكن لكل ما يخدمهم، وربما وفقت أو أخطأت، فالاعتذار لمن أخطأت أو قصرت في حقه، وتعرفت على الكثير، إذ أقدم شكري اليوم لمن عملت معهم من مسؤولي وزارة التجارة والصناعة من خلال عملي في الغرفة وتعلمت منهم، وأخص بالذكر الدكتور خالد السليمان، الذي أعتبره مدرسة في التخطيط، وقبل ذلك وبعده كونه مدرسة في فن التعامل، والدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة الذي لا يؤمن بالمستحيل، وتجربة سدير الصناعية خير شاهد على ذلك، ومرت الأيام ولم أدخل الانتخابات ولم أطلب من أي شخص له علاقة بالتعيين تعييني للمرة الثانية، وتشرفت حينها بالتعيين من قبل عبد الله زينل وزير التجارة والصناعة السابق، الذي أقل ما يمكن أن أقول عنه إنه مدرسة تؤمن بالحوكمة، وهو موضوع مغفل كثيرا من قبل الجميع، كما تشرفت مرة أخرى بالانتخاب من قبل الصناعيين لعضوية اللجنة الصناعية في الشرقية ومن ثم رئاستها وعضوية اللجنة الوطنية الصناعية ونيابة رئاستها واليوم أتساءل هل كان ذلك خطأ؟ هل كان يجب الاكتفاء بدورتين، أي ثمانية أعوام؟ والإجابة نعم، انطلاقا من المبدأ الذي زرعه في أعماقي عمي جميل. لقد عملت مع كثيرين وعشت تجارب عديدة ربما تعلمت منها وربما لم أستفد بالقدر المفروض، واليوم بعد مرور 11 عاما، وبعد أن أقدم شكري واعتذاري للجميع، قررت قرارا نهائيا لا رجعة فيه، وهو أن تكون هذه الدورة في غرفة الشرقية آخر دورة لي، وأنه يجب علينا إعطاء الفرصة لأجيال جديدة تقدم ما تملك من عطاء وفق رؤية جيل جديد يحلم بالعطاء وفق الزمن الذي يعيشه، وأن الكرسي ليس حكرا لأحد، حيث كررنا مرارا في القطاع الخاص أن موظفي الحكومة عندما يجلسون على الكرسي مدة طويلة يعتقدون أنه ملكهم، ومن باب أولى أن نطبقه على أنفسنا، وآمل وأطالب وأتمنى من القطاع الخاص أن يساند ويعمل مع الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة لبناء وإقرار نظام حوكمة متكامل للغرف التجارية الصناعية يراعي التغيرات التي نعيشها ووضع المملكة على الخريطة الاقتصادية العالمية والديمومة للغرف التجارية والصناعية وقبل ذلك العمل المؤسساتي. وفي نهاية مقالي اليوم، أتقدم لعائلتي الحبيبة بالاعتذار عن كل تقصير بدر مني خلال وجودي في مجلس إدارة غرفة الشرقية ومجلس الغرف السعودية، والشكر والاعتذار عن أي تقصير أيضا لجميع من عملت معه أو من أجله.
إنشرها