Author

«أرامكو» .. ضربتان في الرأس توجع

|
وقفت بسيارتي أمام محطة وقود في الظهران الأسبوع الماضي وإذ بالعامل ينبهني إلى أن الوقود الذي أحتاج إليه (91) غير متوافر حالياً. من الغريب أن تقف على بعد خطوات من أكبر شركة نفط في العالم – ''تُضْرَب'' فيها الأمثال - وتعاني نقصاً في البنزين. هناك أربعة احتمالات؛ أننا نستورد بعض مشتقات البترول للاستعمال الداخلي لأن تكلفة المستورد أقل من المنتج محلياً مع عدم اقتناعي بهذا التبرير، أو لعدم توافر مصاف محلية كافية، وربما لأن ''أرامكو'' عمدت في الفترة الأخيرة إلى تطبيق نظام ''الكوتة'' على محطات الوقود، أو أن السبب هو تأخر وصول ناقلات الصهاريج المزودة للوقود. هل هذه بوادر مبكرة لتحقيق نبوءة تقرير ''سيتي قروب'' بأن السعودية ستصبح مستوردة للنفط بحلول عام 2030 في حال استمر استهلاك النفط محلياً بالزيادة الحالية، أم أن التقرير ''ضرب'' من الخيال؟ لم يكن هذا أول إنذار، فقد حذر تقرير المجلس البريطاني لأبحاث الطاقة في 2009م من بلوغ إنتاج النفط أعلى مستوى ممكن له، وبدء انخفاضه بحلول عام 2020. هل ''ضَرْب'' الطبول هذا إنذار بأن عهد النفط زهيد الثمن بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ هناك نظريتان؛ الأولى أن إمدادات النفط اقتربت من ذروتها، والثانية ترفض فكرة نضوب هذه الإمدادات على الأقل في المدى القصير. هنا تحضرني تصريحات وزير البترول علي النعيمي المتتالية التي ''ضربت'' على الوتر الحساس بأن السعودية مستعدة لضخ المزيد من النفط لو اقتضت الضرورة ذلك. لا أعول كثيراً على مصداقية موقع ويكيليكس الذي أشار إلى برقية دبلوماسية أمريكية قال إنها أرْسِلَت عام 2007 وتفيد بأن احتياطي النفط السعودي ربما يكون قد بولغ فيه بشكل كبير. على العموم، أقول لـ ''سيتي قروب'' و''ويكيليكس'' فاتكما القطار.. اجتزنا مرحلة ''الضرب'' بالرمل والتنجيم. لكني في الوقت نفسه أعطي حيزاً جيداً من المصداقية لتصريح رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية، هاشم يماني، في مؤتمر ''الطاقة في السعودية''، الذي أكد فيه أن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ستحتاج إلى ثمانية ملايين برميل يومياً بحلول عام 2028، وهو ما يعادل إنتاجها الحالي من النفط. كانت هذه الضربة الأولى. أما الضربة الثانية فقد جاءت عند الساعة 11:08 صباح الأربعاء 15 آب (أغسطس) عند تغلغل فيروسات تخريبية داخل الشبكة الإلكترونية لأكبر شركة بترولية في العالم، ربما تسببت في ضياع بعض مستندات الموظفين في الشركة. ما يهمني هو: أن أعرف كيف، ومن، وكيف نتفادى حدوثها؟ الفيروسات عالية الوحشية زرعت نفسها بشكل سريع و''أضربت'' الحصار على الشبكة الأرامكوية فأتلفت العديد من ملفاتها المهمة. علمت أيضاً أن هذه الفيروسات تدخل بيانات خاطئة لإتلاف عنوان الآي بي، اسم الجهاز، نوع النظام، حزمة التحديثات والملفات، وغيرها. ليست لدي معلومات موثقة فيما إذا تمكنت الفيروسات أيضاً من تدمير وحدة الحفظ الرئيسية الخاصة بالأجهزة لإعاقتها كلياً عن العمل. المهندس خالد الفالح الرئيس التنفيذي للشركة لم ''يضرب'' أخماساً بأسداس، بل وقف شجاعاً وأكد أن الشركة تمكنت من اتخاذ إجراءات احترازية على الفور لمواجهة هذا الاختراق لشبكة الشركة الإلكترونية. علمت أيضاً أن أنظمة الحماية وخطط التعامل مع الطوارئ في الشركة قامت بدور كبير في احتواء التهديدات الإلكترونية والحد من أضرارها. أول بيان للشركة – الذي ''ضرب'' رقماً قياسياً في التوقيت المتأخر – أكد إعادة تشغيل جميع الخدمات الإلكترونية الأساسية التي تأثرت من الفيروس الإلكتروني التخريبي ''من مصدر خارجي''، أثّر في قرابة 30 ألف جهاز كمبيوتر مكتبي. كذلك أكد البيان أن الشركة حظرت الدخول على شبكتها الإلكترونية من الخارج كإجراء احترازي، وطهرت جميع الأجهزة من الفيروس وأعادتها إلى الخدمة. ''أرامكو'' كشفت أنها استعانت بست شركات متخصصة لها خبرات في مواجهة الهجمات الفيروسية للمشاركة في معرفة الأسباب وإصلاح الأنظمة المعطوبة. معلوماتي إلى حين كتابة هذا المقال أن الموظفين ما زالوا غير قادرين على الدخول إلى الإنترنت أو القيام ببعض أعمالهم التي تعوّدوا القيام بها بواسطة النظام الإلكتروني قبل 15 آب (أغسطس). الزميلة ''الوطن'' أشارت إلى أن موظفي إدارة تقنية المعلومات وأقسام الدعم التابعة قد كُفَت أيديهم. ليس هذا الإجراء فقط من البديهيات، لكنه جاء بعد أيام من تقرير ''رويترز'' عن الموضوع نفسه. المهم الآن هو أن ينجح التحقيق الداخلي والخارجي و''نضرب'' بيد من حديد على أيدي من يعبث بأمن الوطن. عودة للضربة الأولى. كيف نتفاعل مع ''تنبؤات'' نضوب النفظ؟ نحن في حاجة إلى إعادة النظر في استخدام الطاقة، خاصة ما يتعلق بالاستهلاك المحلي، فنحن الدولة الوحيدة في العالم التي تبيع الطاقة مدعومة بالسعر نفسه للجميع. هناك أيضاً حقيقة يجب ألا نغفلها وهي تزايد الطلب المحلي على الكهرباء الذي يرتفع بنسبة 8 في المائة سنوياً. أما ما يجب عمله بالنسبة لأمن المعلومات، فهذه ليست أول عاصفة ''تضرب'' بأركان دائرة تقنية المعلومات. تعريف ''الضرب'' هو عمليات جمع متكررة للرقم ذاته. قد تكون كمية وأهمية المعلومات التي فقدتها شبكة ''أرامكو'' كبيرة، لكن المهم الآن العمل على منع تكرار مثل هذه ''الضربة'' الاستباقية بكل ما نملك من وسائل تقنية وحمائية وخلال التوظيف ''المناسب'' للموارد البشرية. عدم تأثر عمليات الإنتاج نتيجة للاختراق لا يقلل من حجم الضرر، فهناك مشاريع وخطط ووثائق استغرقت جهوداً جبارة وتم فقدها. وأخيراً وباختصار، ''الضرب'' بميزانية برامج حماية النظام الإلكتروني في الشركة عرض الحائط وتخفيضها خطأ يجب ألا يتكرر.
إنشرها