Author

أمام أنظار وزارة العمل

|
استميحك عزيزي القارئ عذراً، فقد نوهت في مقالي السابق بأني سأكمل ما بدأته من الحديث عن ''رأس المال الجريء''، ماله وما عليه، وكيف يمكن أن نحفزه ليؤدي دوره في البناء والتنمية، لكني أرجأته إلى عدد لاحق إن شاء الله لما رأيت من أهمية الكلام عن موضوع خطير يستحق التفاتة وانتباهة باعتبار أن مدياته تؤثر بشكل مباشر في الأمن الاقتصادي، الذي يتصل اتصالاً مباشراً ببوابة الأمن الأسري والاجتماعي للوطن العزيز. أمن الموظف! كلمة ربما لا تخطر على بال كثيرين، لأنها ذائبة في كل حال بالأمن العام، وهذا حق إن كُفِلَت له أسبابُ المعيشة المستقرة، وأُدِّيَت له الحقوقُ بالتساوي مع الواجبات التي أداها عن نفسه، والموظف هو الموظف في قانون الدولة، سواء كان من قطاع حكومي أو خاص، لكن حجم الأمان الذي يغطي الموظف الحكومي، وسقف طموحاته أمتن بلا شك من نظيره الموظف الخاص، ومن هنا بيت القصيد، أو مربط الفرس كما يقال. فالقطاع الخاص يشكل حلقة أساسية في التكوين الاقتصادي، وكثير من أبناء هذا البلد اتجهوا إلى العمل فيه بعد أن طفح القطاع العام بالموظفين، كما أن العديد من شركات القطاع الخاص ـــ سواء كانت شركات عائلية أو مدرجة في سوق المال ـــ توظف الآلاف من الموظفين من أبناء الوطن والأجانب، ولا ريب، فإن تعيين موظف يعني استقرار الواقع المعاشي لمن يعول، فالموظف حين يتسلم راتباً يدفع جزءاً من المستحقات التي عليه ـــ إن كانت أقساط مصارف أو سيارة أو مدارس أو إيجار بيت وغيرها من التزامات ـــ وإن كان أجنبياً حوّل جزءاً من هذا الرتب إلى أهله في الخارج، لذلك يتضح أن المستفيد من راتب الموظف ليس شخصاً واحداً وإنما قد يصل إلى عشرة أو أكثر إلى الدرجة التي يمكن أن تصل إلى المئات أو الآلاف إن حسبنا حصيلة رواتب موظفي شركة كبيرة أو قطاع معين. لكن، ويا للأسف، نسمع بين فترة وأخرى تعثر شركة ما من الناحية المالية، أو أنها تمر بأزمة مالية تؤثر في وضعها المالي، أو تترتب بذمتها قضايا معينة، فيكون الإجراء القانوني الأول حجز أموال الشركة، ويفاقم هذا الأسف أن الكثير من الشركات بعيدة عن مبدأ الشفافية، فالموظفون لا يعرفون عن حال شركتهم شيئاً من الناحية المالية ليتفاجأ الموظف الذي ينتظر راتبه على أحر من الجمر دائماً أن الراتب قد تأخر، مع أنه قليل أصلاً ولا سيما السعوديون الذين أتمنى على وزير العمل مشكوراً أن يدقق في رواتبهم ويقارنها بغيرهم من الأجانب وبين أرباح الشركة، ليرى هناك العجب العجاب! وعند الاستفسار عند موعد تسلم الراتب، فالجواب المعروف: ''قريباً جداً، أو تحمَّل معنا شوي''، ليبدأ فلم المعاناة، أولها: اتصال من المصرف أن عليك قسطاً متأخراً إذا لم يتم سداده ستكون عليك غرامة، واتصال آخر من شركة التقسيط، إذا لم تدفع اليوم سنسحب السيارة، وغيرها من الأمثلة التي لا يتسع المقال لذكرها، ويبقى السؤال قائماً: من سيتحمل خسائر هذا الموظف التي ليس هو سبب فيها، وهل سيعوضه صاحب العمل أو الشركة عن هذه الخسائر؟ الجواب: طبعاً لا، إذن ما الحل؟ هل نفتح من جديد ملف مشكلة فقدان الأمن الوظيفي في القطاع الخاص؟ اعتقد أن الحل سهل جداً، ويمكن تطبيقه بأن يفرض على الشركات بيان تصنيفها الائتماني للموظف بشكل نصف سنوي أو سنوي من خلال تقرير رسمي صادر من مؤسسة النقد، أو سِمَةٌ معينة تصنف الشركات ويعلن ذلك للجميع، وبعدها يفرض عليها تأمين رواتب الموظفين لمدة ستة أشهر، أو ثلاثة أشهر في أقل تقدير، يتاح بموجبها دفع الراتب في الوقت المحدد، حيث يقوم التأمين بالدفع بالنيابة عن الشركة، ويتم إخبار الموظف بأن راتب هذا الشهر تم دفعه عن طريق شركة التأمين، وبهذا سيكون على علم أن الشركة ليست في وضع مالي جيد، وبهذه الطريقة يكون الموظف بالخيار بين انتظار تحسن أوضاع الشركة أو البحث عن وظيفة أخرى. لقد حل التأمين التعاوني كثيراً من المشكلات مثل: الحوادث المرورية، وتعثر بعض الشركات عن دفع العلاج للموظفين، ونحوها، ما المانع من فرض هذا التأمين على الشركات لما له من أهمية في حياة الأسرة والمجتمع بأكمله، وهو مقترح أضعه أمام وزير العمل ثقة منا بدوره الذي لم يدخر وسعاً في بذل العديد من البرامج لخدمة المواطن، ولا يزال. أرجو أن يرى هذا المقترح النور، فهناك شركات تتأخر الشهر والشهرين عن دفع رواتب موظفيها الذين يدخلون مجبرين مكرهين بسبب ذلك في قائمة المصارف السوداء ولا يد لهم في ذلك سوى التسليم، وانتظار الفرج بعد تجرع مرارة الصبر، فهل من مجيب؟
إنشرها