Author

النموذج الاقتصادي المطلوب

|
مستشار اقتصادي
طالما تحدثت كلمة "الاقتصادية" وغيرها عن الحاجة إلى نموذج اقتصادي جديد. قبل الدخول ما المقصود وما ملامح النموذج المنشود، يستحسن تأطير النموذج السائد من خلال معالمه الأساسية، فهذه المعالم تنطوي تحت هيكل وآلية ونتائج الاقتصاد الريعي. فمصدر الدخل الرئيس غير مرتبط موضوعياً بما يشغل الناس عملاً وفكراً، وبالتالي يصبح القرار الاقتصادي مغيباً في ظل هيمنة مالية آلياتها توزيعية من خلال قرارات إدارية تحاول إيجاد توازن شبه مستحيل بين العدالة والكفاءة (في ظل عملية تحول مجتمعي غير مكتملة)، ونتائجها التي انتهت بمستوى عال من المصروفات وخلل مؤثر بين الاستثمار والاستهلاك وفقدان التوازن بين مصالح المقيم وبين حاجة المواطن من جهة وبين المصالح الآنية وبين استحقاقات المستقبل من جهة أخرى، أعراض استهلاك النموذج الحالي واضحة وأصبحت مادة يومية للصحافة. النموذج البديل يتطلب الوصول إلى إقناع الفعاليات الاقتصادية (عامة وخاصة) بأن النموذج الحالي غير قابل للاستمرار وبالتالي الحاجة إلى استنباط لرؤية جديدة واستحضار استراتيجية محددة ومرنة وهمة في التنفيذ، فالموضوع أكبر وأهم من أن يترك لمؤسسة أو جهة حكومية وحتى لجنة هنا أو هناك أو مجلس. الهدف هو نقل الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي متلقٍ واستهلاكي إلى فاعل وإنتاجي. الخطوة الأولى لعلاج الاقتصاد الريعي هي مواجهة استحقاقاته الحقيقية، فهو توزيعي في الجوهر، ولذلك فإن التعامل مع مسألة التوزيع هي نقطة البداية. عملياً، هناك خطوات عدة مترابطة الاستكمال نموذج جديد، إذ إن فصلها عن بعض خطوة تحلو للبيروقراطي الحذر، ولكنها قد تصيب النموذج المقترح في مقتل. الخطوة الأولى هي توزيع جزء (15 ـ 20 في المائة) من دخل النفط مباشرة وبالهوية الوطنية بالتساوي لكل رب عائلة على ألا تزيد على ستة أفراد على أن تراجع بعد عشر سنوات. الخطوة الثانية هي رفع الدعم عن كل المنافع (كهرباء وماء وغاز وغذاء) إلى درجة أن تصبح ذات مردود اقتصادي للمستثمر في القطاع الخاص. الخطوة الثالثة خصخصة فاعلة وليس مجرد هيكلة شكلية لكل ما هو ممكن من الخدمات والمؤسسات الحكومية، وتصغير حجم القطاع الحكومي قدر الإمكان وزيادة فعاليته (برمجة مؤقتة لأغلب المهام لكي يكون جزءاً مؤثراً من الوظائف الحكومية مؤقتاً). الخطوة الرابعة هى حماية المواطن السعودي من الهجرة الاقتصادية (إفلاس سياسة الاستقدام)، وإعادة هيكلة الضمان الاجتماعي لتكون مرتبطة بالسياسة العمالية. الخطوة الخامسة إدخال الضرائب والرسوم مقابل كل الخدمات وخاصة الصحية (مقابل تأمين صحي)، ولعل أول رسم يكون على الأراضي للمساعدة في هيكلة الإسكان. ومن دون نظام ضريبي لن تتوافر لدى صانع القرار الاقتصادي آلية للتحكم (تحفيز وكبح وتشجيع). هذا النموذج سيكفل المنافسة لتحريكه والمسألة لضبط إيقاعه. علينا الاختيار إما مواصلة سياسة سددوا وقاربوا (توفيقية اجتماعياً ولكن ارتباطها بتحديث المجتمع ضعيف في أحسن الأحوال وسلبي في أهم نواحيها الاقتصادية) أو الاعتراف باستهلاك النموذج الحالي والأخذ بالبديل. الخصم الأساسي في محاولة التغيير ليس المصالح، كما سيقفز إلى أذهان الكثير ولكن قوة التحمُّل واليأس لدى البعض والخوف والحذر لدى الكثير دون الاستعداد للتعمق في المصالح العليا والمخاطر أو إعطاء رؤية محددة بديلة؛ دون رؤية ونهج جديد سنتأخر لا محالة.
إنشرها