في رثاء 6 من الأبناء يرحمهم الله

في رثاء 6 من الأبناء يرحمهم الله

قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. امتحن الله الأسرة باختبار صعب بالعشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك، فقد أختار سبحانه وتعالى ستة شباب في عمر الزهور ما بين (13-و-17) عام ليكونوا شفعاء لوالديهم إن شاء الله. فقد.. فقدت ابني وقرة عيني عبد الكريم، وابن أخي فيصل ولد حسن، وابن أخي طلال ولد طارق، وابن أختي خالد ولد عبد العزيز، وإبان ولد خالتي ابراهيم ولد سامر، و ابن نسيبي أحمد ولد رامي رحمهم الله جميعا وموتى المسلمين رحمة واسعه... سبحانه الله العظيم أكرمنا الله باختيار فرد من كل أسرة ليمتحن إيماننا لكي لا نجزع، فكم هو لطيفاً وعالما بعباده حتى وهو سبحانه يأخذ ما أعطى، فالحمد لله أولا وأخيراً وله الأمر من قبل ومن بعد.. لا يمكن أن يتصور أي إنسان صعوبة فقدان فلذة الكبد على الوالدين إلا من قدر الله عليه أن يكابدها، أجارنا الله وإياكم ولا أراكم مكروه في عزيز عليكم. والمتأمل في مثل هذا الحدث يستوعب قول الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما رسول الله جالس مع أصحابه إذ ضحك فقال" ألا تسألوني مما أضحك قالوا يا رسول الله ومما تضحك قال ‏عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير وليس كل أحد أمره كله له خير إلا المؤمن "... كم من مرة نقرأ مثل هذه الأحاديث الكريمة ولا نقف عندها أو نستوعب مضمونها إلا بعد حدثا ما... بل الأعظم من ذلك فقد بشّر الله سبحانه وتعالى الوالدين إن صبروا وشكروا وحمدوا الله بيت الحمد بالجنة... يا الله أنظروا كيف يجبر الله قلوب الوالدين المكلومين فكيف لا يكون أمر المؤمن كله خير! يعلم الله أن كل أب وكل أم يتمنون أن يذهب الله بأعمارهم ويبقي أبنائهم لأن المنطق يفترض أن تذهب روح الكبير قبل الصغير، ولكن حكمة الله التي لها في خلقه شئون لا ندركها و يجب التسليم بها، ففي الحديث إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلامن ثلاث.... وذُكر منها ولد صالح يدعوا له، فما بالكم لو كان هذا الولد شفيعاً لوالديه ببناء بيت الحمد لهم بالجنة إن صبروا و شكروا... عبارة عزاء قالها لي أحد زملاء أبني عبد الكريم قالها ببراءة ابن الخمسة عشر عام "الخيرة فيما أختارها الله يا عمي" استوقفتني هذه العبارة كثير وطافت في ذهني عدة تساؤلات حول العديد من الفرضيات الممكنة فيما لو فقد أي والدين أكثر من فقيد، أو نجى منهم أحد بإصابات وعاهات مستدامة، أو نجى أحدهم بدون أي أصابه فهل بإمكان أيا من التنبأ بما سيئول إليه حاله لاحقا وقد فقد كل رفاقه، عبارة بريئة خرجت من فم الشاب عبدالرحمن زميل ابني جعلتني أوقن فعلا أن الخيرة فعلا فيما أختارها الله - كم أنت لطيف يا آلله. قال تعالى: {أفحسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}. إن ما غشانا رغم جلله ليس بمصيبة، وإنما مصاب كبير... مصيبة المسلم الكبرى كانت في موت الرسول صلى الله عليه وسلم تلك هي المصيبة، وإن أحزننا فقد فلذات أكبادنا ولم يحزنا فقد المصطفى فلسنا بمؤمنين ففي الحديث الكريم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" ... وفي نص آخر... "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وقوله تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سبحان الله إنما نحن بشر و لا نرتقي إلى مكانة النبيين والصديقين ولكن لنا في قصة نبي الله أيوب عبرة تستحق الوقوف والمراجعة لنعلم إننا مهما كابدنا من مصائب ومعاناة فهي لا ترتقي إلى جزء بسيط مما أمتحن الله سبحانه وتعالى نبيه أيوب به...كل منا فقد ستة أبناء لم يفقد ابن واحد و بقدر صعوبة ذلك على الوالد و الوالدة حفظهم الله، فإن الامهات بصبرهم و باحتسابهم يستطيعوا أن يخرجوا الاسرة من هذه المحنه ان أرتقوا باحتسابهم الى مرتبة الشكر و الحمد لله سبحانه و تعالى، أسئل المولى عز و جل ان تساهم هذه المحنه في ترابطنا و تأزرنا أكثر و أكثر كأسرة و أخوه. عدة أمور تستوجب التوضيح والإشارة و الإشادة: الأمر الاول: كيف فقدنا أبنائنا الستة في لمحة بصر.... جريا على عادة الأسرة السنوية نقضي أول خميس من العشر الأواخر من رمضان في استراحة الأسرة بحي البساتين (العارض) شمال مدينة الرياض، إذ تجتمع الأسرة لتناول طعام الفطور والسحور، وكان من عادة الشباب لعب كرة القدم والقضاء على أربع إلى خمس كور بأشواك النخل في كل طلعة، وهذا الخميس لم يكن مختلف عن سابقه، فقد قضوا الشباب يرحمهم الله على أربع كور وخرجوا مجتمعين بالسيارة الجيب الجديدة لأبن أخي فيصل ليشتروا عدد من الكور، و سبحان الله كانت فرصة ليركب معه ابن من كل أسرة ممن مضى فيهم قضاء الله وقدره‎ ليأخذوا جوله حول الاستراحة قبل شراء الكور، حيث ساروا بشوارع المخطط المسفلتة والغير مضائه، وأراد الله لهم أن ينعطفوا يمنة على شارع مسفلت عرضه ستين متر وبعد حدود مئتان متر ينقطع الشارع فجأة عليهم دون سابق انذار بحاجز يعترض الطريق من مخلفات دك الطريق و مخلفات أسفلتيه وبارتفاع يزيد عن المتر كانت نتيجته أن اصطدمت به السيارة الجيب لتنقلب و يتطايروا فلذات أكبادنا منها بعد انقشاع السقف و ارتطام رؤوسهم في الارضية الصلبة (المدكوكة) فكان أمر الله…بعد أن هدئت النفوس راجعنا موقع الحادث عدة مرات و أتضح لنا بعد التيقن من شهود عيان أن الأبناء يرحمهم الله لم يكونوا مستهترين أو مسرعين حاشاهم ولكن لم ينتبهوا الى حاجز المخلفات بالتأكيد، و هذا منحنا الكثير من الرضى بأنهم على الأقل لم يلقوا بأنفسهم الى التهلكة من خلال تهور بالقيادة او غيره.نعم كلنا يعلم ان كل شيء بقضاء الله وقدره، و لكن من المسئول عن انتهاء الخط دون إشارات تحذيرية وعن وضع حاجز المخلفات بعرض الطريق الذي كان السبب الأساسي للحادث وفقدان حياة فلذات أكبادنا !!! نغالط أنفسنا اذا لم نحمل هذا الاهمال و التقاعس الى البلدية و المقاول المنفذ، ولعل تقرير المرور أكبر شاهد على التقاعس في أداء الواجب و الأمانة، و كلنا يعرف ان تقصير مثل هذا تحت أية أعراف و أنظمة تستوجب التحقيق والمحاسبة والقصاص من المتسبب... فو الله الذي لا آلة الا هو سنخاصمهم لدى عزيز مقتدر ليقتص لنا منهم كما كسروا قلوبنا على فلذات أكبادنا. الأمر الثاني:الذي يستحق الذكر هو أنه بقدر ما أستشعرنا فداحة الخطأ الذي وقع فيه المقاول المنفذ للطريق/ البلدية، فقد أسترعى انتباهنا الحضور السريع للهلال الأحمر لموقع الحادث كما أسترعى انتباهنا الوقفة الإنسانية لرجال المرور...الا ان المستغرب أن ننتظر أكثر من أربع ساعات لتحضر سيارات البلدية لنقل الموتى، فلك أن تتصوروا الموقف أربع ساعات من المكابدة و نحن تتقطع قلوبنا على فلذات اكبادنا و هم ممرغين بالتراب ننتظر تشريف سيارات الموتى، و الذين ونحن نتبع جثامين أبنائنا خلفهم لم يغفلوا أن يتوقفوا بالطريق لشراء احتياجاتهم الخاصة من أحد البقالات التي بالطريق رغم أن الساعة لم تتجاوز الثانية صباحا بعد ولم يكن مشتراهم بالضرورة مشرب أو مأكل!! يبدوا أن طبيعة العمل الذي يقومون به أفقدهم الكثير من انسانيتهم... وفي المقابل أسترعى انتباهنا الموقف الانساني العظيم الذي قاموا به اطباء الامتياز الذين فُزع بهم فهرعوا الى مجمع الملك سعود الطبي وتصرفوا باحترافية عالية و كانوا خير عون و سند لنا في محنتنا، و طمئننا بأن الدنيا لاتزال بخير كتب الله جهودهم في موازين حسناتهم، أما الأخ الذي لم تلده أمي عبد الله فذلك ملحمة مواقف و أفعال الرجال في المحن، لن تجزيه كلمة شكر أو ثناء. الأمر الآخر:الذي يستحق الذكر هي المواساة والوقفة الصادقة التي لمسناها من الأسرة المالكة ابتداء من ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير تركي بن عبد العزيز والعديد من أصحاب السمو الملكي الأمراء و أصحاب السمو وأصحاب المعالي والسعادة و الأصدقاء والأهل والأحبابوالذين لا يتسع المجال لذكرهم فلهم منا الدعاء-حفظهم الله جميعا وكتب سعيهم في موازين حسناتهم... هذه المواساة لمست شظاف قلوبنا وخففت علينا مصابنا فكانت كالبلسم لنفوسنا وساهمت بشكل كبير في تضميد جراحنا و جبر أحزاننا... لا أراهم الله مكروها فيهم أو في عزيز عليهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء.... الغاية من هذا السرد بعد حمد الله و شكره، ومن ثم شكر من وقف معنا في محنتنا... هو تحقيق أن الله سبحانه و تعالى بقدر ما امتحننا في مصابنا و بتقصير في بعض الخدمات، فقد سخر لنا في المقابل عدة أمور وأشخاص نذروا أنفسهم لخدمتنا خلال هذه المحنة... ولعل أهم ما يجب لفت العناية إليه هو ضرورة تصحيح خطأ البلدية أو المقاول الذي كان سبب مباشر في موت فلذات أكبادنا لكي لا تتكرر المأساة لأسرة أخرى و الله من وراء القصد... و أخر كلامي هو ما قال لآبو الحسن التهامي في رثاء ابنه حكم المنية في البرية جاري... ماهذه الدنيا بدار قرقر طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الاقذاء و الأكدار أبكيه ثم أقول معتذرا له ... وفقت حين تركت الآم دار جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره و جواري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنشرها

أضف تعليق