Author

أسعار مرافق السياحة الداخلية

|
يتذمر الكثيرون من ارتفاع إيجار المرافق السكنية في الأماكن السياحية داخل المملكة، وهذا من شأنهم ولهم كل الحق في ذلك، لكنهم في بعض الأحيان يتهمون المؤجِّرين بأنهم يستغلون حاجة المستأجر ويطلبون أكثر مما يستحقون. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الإجارات فعلاً مرتفعة إذا أخذنا في الاعتبار مُعدل المردود السنوي على الاستثمار في توفير تلك المرافق؟ وهل نسمي فرض مبلغ مُعيَّن مقابل إيجار وخدمات استغلالاً أم أنه حق من حقوق المؤجِّر الذي لا يبحث إلا عما يُشجعه على الاستثمار؟ ومن أجل أن نحكم على قيمة شيء ما فلا بُدَّ من أن تكون هناك مقارنة بشيء آخر مماثل له في النوعية. فمن المعروف أن جميع المرافق السياحية في أنحاء العالم تتميز على وجه العموم بارتفاع أسعارها للسبب نفسه الذي سنتطرق إليه. وليس من العدل أن نتهم أصحاب المنشآت السياحية المؤجَّرة بالاستغلال غير المنضبط أو الاحتكار أو حتى الطمع. فالمسألة لا تعدو كونها مسألة تجارية بحتة، تخضع، كغيرها من السلع، لقانون العرض والطلب. ودعونا نختر المنطقة الجنوبية التي تتميز بطقسها المعتدل الجميل ومناظرها الخلابة خلال فصل الصيف كمثال، وهو الوقت الذي يفضله بعض المواطنين لقضاء إجازاتهم الصيفية. وكانت المنطقة الجنوبية إلى عهد قريب تخلو تقريباً من جميع المرافق السكنية والترفيهية التي يحتاج إليها الزائرون. والكل آنذاك كانوا يتمنون أن يشاهدوا نموا سريعاً في مرافق السكن والمحال التجارية التي تخدم السائح. ونحن نعلم أن الاستثمار في إنشاء أماكن للتأجير يتطلب أموالاً طائلة. وإن أي مستثمر في مثل تلك المشاريع يتوقع مردوداً مقبولاً مقابل استثمار أمواله. والمستثمر يعلم أيضا أنه سيدخل في منافسة شريفة, لكنها شرسة مع المستثمرين الآخرين. ويجب علينا أن نتذكر أنَّ لا أحد لديه الاستعداد لأن يستثمر أمواله من أجل أن يستخدمها طرف آخر دون مقابل أو بأجر رمزي، فهذا غير منطقي ولا يتناسب مع مبدأ المخاطرة التجارية. وحقه على المجتمع الذي هو يخدمه بمجهوده وماله أن يتقبل فكرة الربح على الاستثمار. وواجب المجتمع عليه ألا يأخذ منهم أكثر مما يستحق، فلا ضرر ولا ضرار. وهناك فارق كبير بين أن تستثمر أموالك في مشاريع سكنية ذات مردود ثابت خلال أيام السنة، أو أن تستثمرها في موقع يخضع لنشاط المواسم. أي أن إشغال المساكن السياحية الموسمية يرتفع وينخفض حسب فصول السنة والعُطل الرسمية. فمن الطبيعي في مثل هذه الحالات أن تختلف قيمة الإيجار من موسم إلى آخر حسب مستوى الطلب. ففي المنطقة الشرقية على سبيل المثال، تجد أن مرافق السكن المُعدَّة للتأجير تمتلئ بالمستأجرين أيام عطلة المدارس والأعياد. بينما مواسم الانتعاش في المنطقة الجنوبية تكون في أيام الصيف فقط. فنتوقع أن تكون معدل نسبة الإشغال على مدار السنة ربما لا تزيد على 30 إلى 40 في المائة. وهذا يعني أن المرافق خلال أكثر من 200 يوم في السنة تكاد تكون خالية. فهل من المعقول أن نطلب من المستثمر أن يخفض الإيجار إلى المستوى الذي تؤجَّر فيه تلك المرافق طوال أيام السنة؟ ونؤكد أنه لو تواجد مواطن في تلك الأماكن السياحية في غير موسم السياسة لوجد أن الإيجارات أقل بكثير من المعدل السنوي، وهو أمر طبيعي. أما إذا أردنا أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل المواطن يشتكي ويتذمر من غلاء الأسعار في الأماكن السياحية، سواء منها الإيجار أو حتى المواد الاستهلاكية، فهي تعود إلى شعور ابن البلد أنه ما دام داخل المملكة فلماذا لا تكون الأسعار موحدة خلال أشهر السنة، الموسمي وغير الموسمي؟ أي أنه ببساطة يغفل الجانب السياحي المرتبط بزمن محدود، كما وضَّحنا آنفاً. لكن المواطن نفسه عندما تكون سياحته في الخارج، لا يفكر حتى مجرد التفكير في التذمر من الوضع هناك مهما بلغ مستوى الأسعار، وهي في الغالب أضعاف أسعار المصايف عندنا. وهناك عامل اقتصادي مهم يجب عدم إغفاله، فالمبالغ التي يصرفها المواطن خارج بلاده، سواء خلال رحلاته السياحية أو غير السياحية، تكون خسارة مباشرة بالنسبة للاقتصاد الوطني. بينما ما نصرفه داخل الوطن يسهم في تنشيط الحركة التجارية إيجابياًّ لمصلحة الاقتصاد الوطني. وعلينا أن ندرك بعض الحقائق فيما يتعلق بإنشاء المشاريع الاستثمارية. فلو سلمنا جدلاً بأن أسعار السكن السياحي مرتفعة إلى حد كبير، ومن ثم فهي تدرُّ على صاحبها أرباحاً غير عادية، فما الذي يا تُرى سيحدث؟ الجواب بسيط، فكثيرون سينجذبون إلى مجال الاستثمار في السياحة وتزداد حمى المنافسة إلى درجة قد تهبط بالأسعار إلى ما دون الحد الأدنى. والنتيجة أن الجميع سيخسر، وهو وضع لا يود المستثمرون أن يكونوا طرفاً فيه. والحقيقة أن هناك في السوق غالباً نوعا من التوازن الذي يسمح بالحصول على مردود معقول، لا يرهق السائح ولا يسبب خسارة مالية للمستثمر. وهناك حقيقة لا تحتاج إلى توضيح، فباب المنافسة في بلادنا مفتوح على مصراعيه في أي مجال من مجالات الكسب الحلال.
إنشرها