Author

إجازة اليومين حق من حقوق العمالة

|
يجري جدل هذه الأيام حول مشروع منح يوم راحة أسبوعي إضافي لعمالة القطاع الخاص. وتشن الغرف التجارية ورجال الأعمال حملة شعواء لا هوادة فيها لوقف تطبيق هذا المشروع. وهذا الموقف متوقع من مشغلي العمالة، حيث يتصورون أن يقود ذلك إلى خفض ساعات العمل الأسبوعية، ما سيرفع تكاليف العمالة. وتكون أجور معظم تكاليف العمالة (تقريباً 75 في المائة، بينما تكون المنافع وتكاليف التوظيف والاستقدام وغيرها الباقي). وتقاس أجور العمالة عادةً بمعدل أجر العمالة في الساعة، ولهذا فإن خفض أيام العمل من ستة إلى خمسة أيام في الأسبوع مع الحفاظ على عدد ساعات العمل اليومية ثابتاً وعدم تخفيض الأجور الأسبوعية سيرفع معدل أجور العمالة في الساعة بنسبة 20 في المائة، وسينتج عن ذلك رفع تكاليف العمالة بنحو 15 في المائة (في القطاعات التي تعتمد على العمالة العاملة مقابل الأجور). فهل سيقود هذا الارتفاع النظري في تكاليف العمالة إلى رفع تكاليف المنتجات والأسعار بالنسبة نفسها؟ والجواب طبعاً لا. فتكاليف العمالة تكون جزءا مهماً من تكاليف الإنتاج، لكنها ليست المكون الوحيد للتكاليف والمتسبب الوحيد في حركة الأسعار. فهناك التكاليف الرأسمالية من منشآت وآلات ومعدات، وكذلك تكاليف العقارات والإيجارات والمواد الأولية والطاقة والتسويق والتوزيع وعدد من التكاليف الأخرى، إضافة إلى الأرباح. وقد تنخفض تكاليف العمالة إلى 1 في المائة أو 2 في المائة من إجمالي الإيرادات في بعض الصناعات مثل مصانع الأسمنت أو الصناعات الكيماوية، وقد تزيد على 50 في المائة من تكاليف الإنتاج في الصناعات كثيفة الاستخدام للعمالة. ولهذا فإن رفع معدل الأجور بنسبة 15 في المائة في الساعة سيزيد التكاليف بنسب متفاوتة قد تقل عن 1 في المائة في بعض الصناعات، وقد ترتفع إلى 10 في المائة في عدد محدود من الصناعات. وعلى المستوى القومي تمثل الأجور نسبا منخفضة من إجمالي القيمة المضافة في المملكة تصل إلى نحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى النقيض من دول العالم المتقدم، التي تمثل الأجور أكثر من 70 في المائة من ناتجها المحلي. وتمنح جهات كثيرة أهمها الحكومة ومؤسساتها والشركات الكبيرة والقطاعات المهمة يومين راحة أسبوعياً للعمالة، ولن تتغير تكاليف عمالتها بهذا القرار لأنه مطبق منذ فترة طويلة. ويعمل جزء كبير من عمالة القطاع الخاص لأنفسهم، كما يعمل جزء آخر من العمالة مقابل الإنتاجية، ولذلك فإن منح يومين راحة أسبوعياً للعمالة في المملكة سيؤثر في جزء من عمالة القطاع الخاص، الذي قد يكون الأقل مساهمةً في الناتج المحلي الإجمالي. ونتيجةً لذلك فقد ينتج عن رفع الأجور المترتب عن منح يوم إضافي راحة في الأسبوع زيادة محدودة في تكاليف الإنتاج، التي قد تتسبب في ارتفاع محدود في المستوى العام للأسعار، لكن أقل بكثير مما صوره معارضو المشروع. ويمكن الحد من ارتفاع تكاليف العمالة من خلال رفع معدلات الإنتاجية في الساعة، أو رفع ساعات العمل اليومية. وفي المقابل تسعى الجهات الرسمية والعمالة في المملكة لنيل يوم راحة أسبوعي إضافي، وذلك لخفض عدد ساعات العمل المرتفعة نسبياً في عدد من القطاعات الخاصة مقارنةً بمعدل ساعات العمل في القطاع الحكومي ومعظم دول العالم، وللتساوي مع القطاع الحكومي والقطاعات المنظمة وباقي دول العالم في مدة الإجازة الأسبوعية. وسيحسن منح يومين إجازة نهاية الأسبوع من بيئة العمل في الكثير من القطاعات التي يعاني العاملون فيها ساعات العمل الطويلة. وسيدعم منح يومين إجازة أسبوعية من النمو في قطاعات الترفيه والتسلية، ما سيعزز معدلات النمو، كما سيرفع من معدلات التشغيل ويخفض من معدلات البطالة. وسيشجع منح يومين إجازة أسبوعية العمالة الوطنية على العمل في القطاع الخاص، كما سيقلل من الفروق في أيام وساعات العمل بين القطاعين الحكومي والخاص. وهذا سيشجع بعض العاملين في القطاع الحكومي على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص. وناضلت العمالة ممثلة في الاتحادات العمالية والمؤسسات الرسمية منذ عشرات السنين في عدد كثير من دول العالم لمد إجازة نهاية الأسبوع من يوم إلى يومين، ونجحت في الحصول على يومين راحة أسبوعية في معظم دول العالم. ونظراً لعدم شرعية الاتحادات العمالية في المملكة فإن الجهات الرسمية ممثلةً في وزارة العمل والجهات الأخرى ذات العلاقة تتحمل مسؤولية أخلاقية في الدفاع عن مصالح العمالة في المملكة وعليها فرض الأنظمة التي تنظم وتحسن بيئة العمل، التي منها رفع مدة إجازة نهاية الأسبوع من يوم إلى يومين. ومعارضة رجال الأعمال والغرف التجارية الممثلة لهم لأي تشريع مؤيد لحقوق العمالة أمر طبيعي ومتوقع، ويندر أن يوجد من رجال الأعمال من يبادر إلى إعطاء العمالة حقوقها من دون وجود تشريعات منظمة وملزمة بإعطاء هذه الحقوق. ومع هذا شهد تاريخ دول العالم ظهور عدد قليل من رجال الأعمال الرواد والمتميزين، بدأوا بمنح العمالة حقوقاً لم تكن معروفة ولا مفروضة من قبل. فخفض ساعات العمل اليومية من تسع ساعات إلى ثماني ساعات بدأ به رجل الأعمال الأمريكي المشهور هنري فورد في عام 1914، وبعدها بأكثر من عشر سنوات منح عمال مصانعه يومين إجازة أسبوعية وسط معارضة كبيرة من رجال الأعمال في الولايات المتحدة. وقد ألزمت الحكومة الأمريكية الأعمال بمنح يومين إجازة أسبوعية بعد منح فورد يومين إجازة بأكثر من عقد من الزمن، وذلك في عام 1938. إن من المؤسف حقاً ألا نسمع في المملكة بأي رجل أعمال يبادر بمنح العمالة حقوقها من دون تشريعات حكومية ملزمة حتى ممن اشتهروا بفعل الخير, لكن ينبغي ألا يكون هذا مانعاً من سن التشريعات الحكومية التي تلزم المشغلين بمنح هذه الحقوق.
إنشرها