Author

سوق الاستقدام.. توقعات بعيدة عن الواقع

|
من السهل جداً الدعوة إلى حلول جذرية لأزمة العمالة المنزلية، ومن العسير جداً وضع آلية تنفيذية لذلك، فرفاهية الاستقدام لخدم المنازل انتهت وأصبحنا أمام وضع جديد مع الدول التي أمضت عقوداً ترسل لنا بوتيرة لا تنقطع الأيدي العاملة في المنازل من الجنسين، فالأخطاء الفردية وانعدام حماية الحقوق بصورة عملية وتحول العلاقة إلى مخاطرة بين طرفين قد يخل أي منهما بالتزامه، أدت إلى تراكم في السلبيات حتى أصبحت مثل مَن يرمي حجراً في بحيرة راكدة لتتحول موجاتها إلى صدمات تتجاوز حدود العلاقة بين الخادم والمخدوم، أسهم فيها جشع من الوسطاء وترقب من الجهات الرسمية في الدول المعنية، لعل نهاية تكتب بما يرفع الحرج عن التدخل الحكومي في علاقة الخادم بمخدومه. واليوم نحن أمام شركات تتولى حماية مصلحة الطرفين والوقوف كضامن ووسيط ومرجع لحل أي مشكلات بينهما، بعد أن زاد الطلب وأصبح القليلون لديهم خادمة منزلية أو سائق، وينفتح باب لتشغيل عمالة غير نظامية كحل وحيد فرض سعراً عالياً وجعل التحكم بيد الخادم والخادمة دون التزام مؤكد بالاستمرار، فالعقد شفوي ومفتوح لمَن يدفع أكثر ويقدم تسهيلات أفضل لينتقل الخادم أو الخادمة، معززاً مكرماً من منزل إلى آخر بعيد، أو ربما مجاور ليعمل مع ضمانة كافية بتحصيل حقوقه، فهو سيد الموقف الذي يجد مَن يبحث عن رضاه مهما بدا منه من تقصير. إن لمشكلة عمال وعاملات المنازل جوانب متعددة بتعدُّد أطرافها، ومع أن المتضرر الأكبر هو صاحب أو صاحبة المنزل الذي يدفع مبلغاً للاستقدام ثم يتعرّض لعدم التزام مكتب الاستقدام بالعقد، أو عدم ضمان استمرار العامل أو العاملة في الخدمة أو الهرب والبحث عن مكان آخر للعمل، وهي وقائع سادت في سوق العمل، ومن المؤمل أن يكون وجود شركات متخصّصة في توفير العمالة المنزلية ما يقضي تماماً على الأخطار التي يتعرّض لها أرباب العمل أو يعوّضهم في حالة تعرُّضهم لخسائر أو ضرر بما يجعل العلاقة متعادلة، كما أن سيطرة الشركات على العلاقة التعاقدية ووقوفها في منتصف المسافة يحققان القناعة لدى العمال وأرباب الأعمال بضمانة الحقوق، وأنه ليس هناك فرصة أفضل من تلك التي توفرها الشركة لهما في العمل والخدمة معا. لقد أثار الكثيرون عدالة الأسعار في الوضع الجديد الذي تديره الشركات بالكامل ودعمتهم في ذلك جمعية حماية المستهلك التي دعت وزارة العمل إلى مراجعة الرسوم المعلنة من قِبل الشركة المقدمة للخدمة، فهناك مبالغة في رسوم التأمين وغير مبررة، فضلاً عن ارتفاع الرواتب مقارنة برواتب العمالة القادمين عن طريق مكاتب الاستقدام الحالية، كما رأت حماية المستهلك أن فرض تلك الرسوم سيرهق المواطنين بغير وجه حق، مع ضرورة استعجال وزارة العمل في التنسيق مع الجهات المختصة بسرعة الترخيص لشركات الاستقدام الأخرى لكسر الاحتكار ومناسبة الأسعار وإيجاد منافسة حقيقية. وليس غريبا أن هناك مَن توقع أن تسهم شركات الاستقدام الجديدة في خفض تكاليف الاستقدام بما يعادل 40 في المائة، لكن الواقع أثبت خلاف ذلك، خصوصاً بعد أن أوضحت "حماية المستهلك" موقفها من المبالغة في الأسعار والتأمين والرسوم ورأت أن إرهاقاً سيصيب المواطن، وأن هناك احتكاراً يجب إزالته بسرعة والخوف من أن كل التوقعات بتحسين في خدمات الاستقدام تلحق بالأسعار أيضاً لتكون التوقعات في واد والواقع في واد آخر وهو احتمال غير مستبعد حتى يزول الاحتكار وتتعدّد الشركات وتصبح المنافسة في مصلحة السوق والعملاء وليس فرضاً للسعر من طرف مَن يقدم الخدمة وحيداً في سوق ضخمة بحجم السوق السعودية.
إنشرها