Author

عبد الرزّاق: منحنى الرِّضا بعد أن آمنتُ بالقضا

|
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 448 *** * حافزُ الجمعة: ليس هناك أشرف في رأيي، بعد العبادةِ، من فعل أن يقومَ شخصٌ بمساعدة إنسانٍ آخر على النجاح. *** * من أكثر أعدائك تأثيرا سلبيا عليك؟ أنت! النفس الخاضعة، النفس التي تطلق من داخلها أيونات سلبية وتجر باقي وجودك إلى المنحدر، لأن الانحدار أسهل عضليا وفكريا من مشقة الصعود، هنا تكون أكبر أعدائك. حتى من يريد أن يصنع منك إنسانا ناجحا ستبعده عنك وتصده بتذمرك وتخيل العقبات وراء العقبات، وكأن العالم كله من فلَكِه إلى أعمق قيعانِهِ قرر التآمر عليك. وربما تكون عقباتٌ موجودة، وربما أيضا ناس موجودون هوايتهم دفعك للوقوع، أو وضع العصي في دواليب عربة حياتك. خذ مني؛ العراقيلُ يراها الناجحون أجمل الفرص للصعود، وأحيانا الصعود الشاهق، لأنهم لا يترجمونه إحباطا وعجزا ويأسا، بل يرونه تحدّيا، والتحدي شيمة الأذكياء الشجعان. الشخص الشجاع ذو الثقة بنفسه وصاحب الكرامة والاعتزاز لا يرضى أن ينوحَ أمام الناس بأنه ضعيف ومهزوم.. لأنه لا يريد أن يكشف للناس ضعفا، كما أن قليلا من الناس سيلتفتون إليه، خصوصا إن كانوا في رحلة صعود، فلا يستطيعون أن يقدموا أياديهم لمريدي الانزلاق خوفا من الانزلاق معهم. إن اللهَ وضع العقلَ في الإنسان لإعمار الأرض، أي قبول التحدي باستخدام العقل مهما كانت العوائق. فاللهُ وضع فيك ما يعتبره أعظمَ منجزاتِه.. أيقف شيء أمام إعجاز الله؟ لو لم يكن العقلُ وظيفته تحدي الواقع المحيط مهما تغلَّظ صعوبةً لكان الإنسان يهيمُ مع الحيوانات في البوادي والقفار والغابات. *** * شخصية الأسبوع: ليست هذه المرة الأولى ولا الثانية التي اختار فيها الرجل الاستثنائي الذي يعطي دروسا بعشرات التجارب والميادين القائمة على عنصرين: التفاؤل بفرص الحياة، والتحدي لصعاب الواقع. إنه الكفيف الذي لم يسبقه أحدٌ مثله بقيادة سيارة في أشد مدن أمريكا ازدحاما والذي تفوق في الجامعات، وأدار كبرى الشركات في حقل لوجستي يتطلب بصرا دقيقا لطبيعته. إنه الرجل الذي كرّس نفسَه لنفع الناس ووضع الفرص أمامهم والعمل على مساعدتهم على النجاح حتى صار معشوقا للشباب، ومهوى أفئدة كل من عرفه. أتكلم عن الشيخ أخي وصديقي عبد الرزاق بن علي التركي. هذه المرة شاء الله تعالى أن ''ينعم'' عليه بمرض الرحمة (السرطان) - وصفة النعمة ليست مني بل منه. وغاب عنا أكثر من ثمانية أشهر للعلاج، فتفرق صحبه عن بعضهم بعد أن كان يجمعهم بمجموعة اشتهرت في الخبر باسم مجموعة السرداب. البارحة أقام أصحابه له حفلَ الاستقبال، وتباروا شعراً وخطابة، وأجمعوا: ''كنا كاليتامى بدونك، لم نرَ بعضنا، تشتتنا ثمانية أشهر لم ير الصاحبُ صاحبَه''. ولما اعتلى عبد الرزاق المنبر، قال: أشكر الله على نعمته واختياره لي، لم أشعر يوما أني مريض ولم أعانِ من تأثيرات العلاج الكيماوي التي تكون شديدة.. أبدا، إلا أني فقدتُ كيلوجراماتٍ تراكمتْ وعدتُ رشيقاً من جديد.. إن اللهَ منحنى الرضا، لما آمنت بالقضا. *** * من الموافقات اللطيفة أن النشط الاجتماعي الشيخ عبد العزيز التركي هو شقيق الشيخ عبد الرزاق، رئيس أكبر جمعية نفع عام للسرطان في المنطقة - أقصد منطقة الشرق الأوسط. وإن اللهَ يكافئ العاملين. *** * نحن محظوظون كأمّة، وينبع سؤال: إن لم يدرك المحظوظ أنه وهب حظا؟ لعمري فإنه يكون من الأشقياء، وملامح النعيم تكاد تحتضنه فلا يشعر بذلك الاحتضان. إننا مجتمع ضربه وباءُ تشتت ويجب أن نعترف بأن هذا الوباءَ سينخر في جذع الأمة إن لم نتدارك أنفسَنا ونستغل حظا أعطانا إياه الإسلام. في الإسلام تبدو الأشياءُ وكأن حكمة أو فكرة كونية تتناغم مع عناصر الوجود ليكون التنسيق الأكبر والحياة تسير. ومن حظوظنا الكبرى: المساجد. المساجد في الإسلام ليست كالكنائس والمعابد الأخرى مجرد أماكن تقام فيها الشعائر الدينية، ولكنها أساسا مصدر للتوعية وتدارس الحلول لما يظهر على المجتمع من مشاكل، وحتى المشاركة الشعبية في العمل المدني. وعندما شاعت حلقات اعتبرناها سلبية لم نلاحظ إلا الأثرَ، وغاب إدراكُنا عن المؤثِّر ألا وهو حلقات العلم في المسجد. كان يجب أن ندرك أنها نجحت في إشاعة ثقافة معينة لم نحبها، ولكن ليس الذنب استخدام المسجد للتعليم والتدارس.. إنه وسيلة، وكان كل ما علينا تغيير الثقافة السلبية ورفد الوسيلة الناجعة. *** * والمهم: يروى أن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - قصد مسجداً فوجد في ناحية قوماً يذكرون الله، وفي ناحية أخرى مجلس علم، فقال: ''هذا خيرٌ وهذا خير، ولكني بُعثتُ معلِّما''.. واختار مجلس العلم. في أمان الله.
إنشرها