Author

المعلمات ووعثاء السفر

|
كان الأسبوع الأول بعد إجازة العيد أسبوع المفاجآت بكل استحقاق للملتحقات حديثاً بسلك التعليم. تم هذا العام تعيين وتثبيت أكثر من 150 ألف معلم ومعلمة. كان المعينون يصلون إلى إدارات تعليم في مدن كالجوف وأبها والطائف والقويعية ليكتشفوا أنهم عينوا في قرى وهجر ومراكز تبعد بعضها عن أبسط مقومات الحضارة مئات الكيلو مترات. كان السؤال الذي يتبادر لذهن كل واحد من أقارب وأصدقاء هؤلاء المثبتين والمثبتات هو: أين تعينت؟ ليكتشف السائل أنه لن يتمكن من معرفة الموقع حتى لو استعان بـ (خرائط قوقل). المحظوظ حصل على وظيفة في مكان تصل إليه السيارة. هذا لم يكن من نصيب الأستاذة التي تحدث عنها أحد مغردي '' التويتر ''، فهي في حاجة إلى استخدام كل وسائل النقل بما فيها البغال لتصل إلى حيث تعمل. وصولها وتخلصها من وعثاء السفر وكآبة ما تشاهده من مناظر أثناء ذلك يتطلب أن تبقى في دورة المياه حتى ينتهي موعد الحصة الثانية، لتبدأ الاستعداد النفسي ومن ثم الجسدي لمشوار العودة إلى بيت المعلمات، أخرى قالت إنها تحتاج إلى جواز سفر للوصول إلى المدرسة التي تعينت فيها. استغل الكثير من ملاك العقارات في القرى والمحافظات والمراكز القريبة من مناطق ''التغرب'' هذه الحالة فأنشأوا بيوتاً للمعلمات توفر الخدمات والأمن. هذه المنازل التي يمكن أن نسميها '' البيوت الآمنة ''، وهو مصطلح تستخدمه المخابرات للعملاء الذين يُخافُ عليهم من الاعتداء، تطالب بمبالغ أكبر من النزيلات. يتناوب الأزواج والأمهات والآباء والإخوة على حراسة ومرافقة المعلمة. ذكر لي أحد الأزواج أن تكاليف التذاكر وحدها تتجاوز ألفي ريال لمرافقي زوجته الذين يتبادلون الحضور من مدينة كالرياض، فلكم أن تتخيلوا كم يدفع من يأتي من منطقة الحدود الشمالية إلى منطقة كنجران مثلاً. يضاف إلى ذلك التأثير في أعضاء آخرين في الأسرة، خصوصاً الأطفال أو كبار السن. يبدو أن حجم التعيينات التي تمت هذا العام سيولد مشاكل أسرية جديدة على المجتمع وتضاعف انتشار أخرى، الأطفال في حاجة إلى من يهتم بهم والزوج كذلك, لكن الأم ستكون بعيدة عن هذا كله، فيومها التعليمي يبدأ قبل الفجر وينتهي بعد المغرب، فماذا عساها تفعل؟ أعرف معلمة أم لثلاثة أطفال، عندما سألتها كيف ستتدبر أمرها، قالت سأترك ابني الكبير مع أبيه وآخذ ابنتي معي إلى المدرسة، أما الصغير فسأتركه مع جدته. فكرت عندها في الندب النفسي الذي سيسببه عام دراسي كامل من التفرق والبعد بين كل أفراد الأسرة، سيتذكر الأطفال تلك السنة على أنها سنة اليتم. إذاً ما البديل ؟ بالنسبة لإنسانة انتظرت أكثر من عشر سنوات تزوجت خلالها وأنجبت، وعندما حان الفرج، لم يكن لها أن ترفض الفرصة التي لاحت، لأنها لو فوتتها فستقضي عشر سنوات أخرى في قوائم الانتظار. قضية المعلمات تستدعي حلولا معقولة وواقعية تتفاعل مع القيود والاعتبارات الدينية والاجتماعية التي تفرضها حالة المملكة. في دولة ذكورية، تحتاج فيها المرأة إلى الرجل في كل شيء، لا بد أن تساعد الحلول المرأة وتمنحها الحق في الوظيفة والاستفادة من سنوات التعليم التي أمضتها للحصول على الشهادة العلمية، وأن تحصل على فرصة العمل في وظيفة تلائم تخصصها وتوفر لها دخلاً معقولاً، خصوصاً مع صعوبة الوضع الاقتصادي الذي يستدعي تعاون الزوجين. هذه الحلول يجب أن تراعي كل جوانب المشكلة. حلول تضمن بقاء المعلمة في مدينتها أو قريباً منها، وسرعة التعيين. بعض الحلول قد لا تناسب اللاتي أمضين سنين طويلة في سلك التعليم، لكن من كل حل هناك كاسبون وخاسرون، يجب أن يستفيد من الحلول النسبة الأكبر من المعلمات. أحد أهم الحلول خفض عدد سنوات الخدمة. يمكن أن تخدم المعلمة لمدة 25 سنة، تحصل بعدها على ما نسبته 75 في المائة من الراتب. هذا الحل سيوفر ما لا يقل عن 20 ألف وظيفة جديدة كل سنة. التقاعد الإلزامي في هذه السن له الكثير من المزايا، أهمها أنه يوفر دخلاً معقولاً للمعلمة وفرصة للراحة بعد كل هذه السنين من الخدمة. يمكن أن يعدل سلم رواتب المعلمات بحيث يكون الفرق بين رواتب المعلمين والمعلمات بنسبة لا تزيد على 25 في المائة لمصلحة المعلم. السبب الأهم هو أن الرجل هو المسؤول عن إعالة الأسرة، وسبب آخر يجعل الفرصة متاحة لإضافة ما نسبته 25 في المائة من المعلمات لسوق العمل كل عام. تعاني الكثير من المعلمات بعد أماكن سكنهن، وعدم مراعاة مديرات المدارس لظروفهن، مقارنة بالرجال. يمكن أن تقوم الوزارة بتشييد مبان آمنة للمعلمات في المناطق التي تضطر المعلمات للعمل فيها وتؤجرها للمعلمات مقابل مبالغ معقولة، وتوفر فيها خدمات الحضانة والحراسة والنقل للمدارس بطريقة تحمي المعلمات وتضمن وجودهن في مدارسهن وأداء مهامهن الوظيفية. المهم أن تكون الفرصة الوظيفية مدعاة للسعادة وليس للفرقة والتشتت والألم.
إنشرها