Author

الأزمة.. لازمة!!

|
للأزمة في تاريخ الأفراد والأمم دورة حياة، كأي ظاهرة حياتية تنشأ، إما من خلال حركة البشر على الأرض، أو من خلال حركة كونية، وفى كل الأحوال تبدأ دورة حياة الأزمة بتزاوج مجموعة أو أكثر من العوامل، وبتفاعلها مع بعضها في ظروف معينة بما يهيئ المناخ كي تحمل حركة الحياة جنيناً لأزمة قد تولد أو تتوالد في أي وقت. ذلك، وإنّ لكل أزمة مقدمات تشي بوقوعها، منها.. إجراء موازنات غير علمية في شئون تحتاج إلى العلم دون العاطفة، سوء تقدير الأمور إما إفراطاً في مستوى النظرة إليها أو تفريطاً باحتقارها والتقليل من شأنها، سوء الفهم والإدراك للمتغيرات الجارية وللمعطيات الحاضرة، الشائعات وما ينشأ عنها من بلبلة وتخبط وإثارة، تعارض الأهداف والمصالح على المستوى الفردي أو الجماعي، إساءة تفسير مواقف الغير، تشويه المعلومات المُتاحة عن واقعة معينة، سوء الإدارة وضعف مستوى التخطيط .. الخ. هذه العوامل مجتمعة أو متفرقة قد تحدث أزمة مختلفة الحدة على حسب الظرف الذي وقعت فيه، ومدى الاستعداد النفسي للتفاعل معها أو التصدي لها من عند منبعها، بحيث يمكن تحجيمها، أو تفتيتها، أو الحد من أثرها، أو تحويل مسارها، وهنا يتجلى دور إدارة الأزمة كأحد العلوم الإدارية الحديثة المعنية بالتعامل مع المشكلات والأزمات، وهو العلم المُغيب عمداً وقصداً، أو تقصيراً وإهمالاً عن واقعنا العملي، بل ربما لا يُؤخذ بهذا العلم من الأصل وتترك الأزمات لتتكاثر وتنشطر، وقد يشاع أن الأمر تحت السيطرة أو خارج السيطرة، إلى غير هذا من الكلمات الاستهلاكية المعروفة. إنّ العِلَّة تكمن في اعتماد العقل العربي حتى الآن على التصورات الفردية أو الذاتية - وربما العاطفية - في مواجهة الأزمات والمُلمات، في وقت تحتاج فيه إلى تحكيم العلم وفن إدارة الأزمة باستخدام معايير التنبؤ بالأزمة قبل وقوعها، ومحاولة وضع صورة تقديرية لمفرداتها ومدى تأثيرها الكمي والكيفي على حياة الناس بهدف انتقاء أفضل وأنجع البدائل المطروحة للتعامل معها للتقليل من تأثيراتها وتداعياتها على المستويين القريب والبعيد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن للأزمة وجه إيجابي يتمثل في تحريك وتطوير أداء العقل البشرى وذلك إنْ كان لدى القائمين على الأمر «استعداداً ايجابياً لمواجهة أزماتهم والتغلب عليها»، فإن العقل يتجه حيال أزمة ما إلى البحث والفهم والاستنتاج، ومن ثم إنتاج أفكار جديدة قادرة على مواكبة المتغيرات ومواجهة المشكلات، وقد يفسر ذلك السر وراء خلق المتناقضات في الكون، وبل وفهم العلة الكامنة من وراء خلق البشر على نحو مختلف في الفكر والسلوك والثقافة، إذ ينشأ عن الاختلاف والتناقض احتكاكات ومناوشات يتولد عنها أزمات تكون مدعاة للبحث عن مواجهة وحل!. وكأني أوشك أن أقول أن الأزمة سبب من أسباب عمارة الأرض، وكي لا يكون الأمر مستغربا فإن ديننا الحنيف أمرنا أن نصبر على البلاء، وأن نلتمس المنحة من جوف المحنة، وأن نعتقد يقيناً بأن اختيار الله لنا خير من اختيارنا لأنفسنا، وعليه فإن المسلم يكون أقدر من غيره على فلسفة المحن بحيث تكون قوة إيجابية دافعة له نحو التجدد والابتكار والإنتاج، وليست مدعاة للإحباط والتراجع والهزيمة. إن من الحكمة أن نملك شجاعة الاعتراف بأن عالم اليوم مليء بالأزمات لأسباب كثيرة ومتنوعة لا يتسع المقام لذكرها، لذا فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الإنسان في العصر الراهن يتمثل في قدرته على مواجهة مشكلاته وأزماته، فإذا نجح في التحدي ضمن البقاء في زمن لا يعترف إلا بالأقوياء، وإن فشل طُويت عليه صحف النسيان إلى الأبد، كما أنه من الشجاعة أن نعترف بأن منطقتنا العربية هي أكثر بقاع الأرض موجاً بالأزمات لأسباب لا تخفى على أحد، لكن المقصد هو: كيف نملك القدرة على صياغة منهج عربي لمواجهة أزماتنا الراهنة؟!. أقول أولاً وأخيراً إنّ الاعتماد على الأفكار المعلبة أو الجاهزة أو المستوردة لن يجدي نفعاً، لأن الغير لن يجهد نفسه في تقديم طرق مثالية نقضى بها على مصائبنا، ولأن ما يصلح به العلاج في مكان ما لا يصلح به العلاج في مكان آخر لاختلاف التركيبة المكانية و الحياتية، فهل نملك الهمة يا سادة، أم ماذا؟!.
إنشرها