Author

ارتفاع الأسعار.. والحقيقة الغائبة فيه

|
لماذا ترتفع الأسعار؟ الأسعار هي - في جزء منها - تعويضٌ عن التكاليف التي تمّ تكبُّدها حتى تصبح السلع قابلةً للاستهلاك، وبذل علماء الاقتصاد جهداً جباراً طوال قرون لتفسير كيف تحدّد الأسعار ولماذا ندفع للتاجر زيادة (ربحاً أو فائدة) عن التكاليف التي تكبّدها، وما الخلفية النظرية والأخلاقية التي تسمح للتجار بأخذ هذه الفوائد، ولعل هذه القضية هي قلب علم الاقتصاد ومحور اهتمامه فعلاً.. فبعد نقاشات طويلة تم ابتكار مفاهيم العائد على المخاطر والقيمة المضافة.. فالناس لديهم القدرة على قراءة القيمة في الأشياء والسلع حتى لو لم تكن ملموسة، ولديهم الرغبة في دفع مقابل تلك القيم.. فمثلاً نحن على استعداد لشراء سلعة في شمال المدينة بأعلى من سعرها في الجنوب طالما ذلك سيوفر علينا الذهاب للجنوب لشرائها بأنفسنا. ومع ذلك تظل التكاليف هي اللاعب الأساسي في تحديد الأسعار، ففي وقت الجفاف ترتفع أسعار المواد الغذائية، وقد نعتقد أن للعرض والطلب الدور الأساسي، لكن القضية أعقد من ذلك فتكاليف العمال والمزارع، التي كانت توزع على محصول بملايين الأطنان سيتم توزيعها نفسها على محصول أقل بكثير، وهذا يعني أن ترتفع أسعار المحصول في الوقت، الذي قلّ إنتاجه. هذه العلاقة بين كمية الإنتاج والأسعار، اكتشفها الإنسان منذ القدم، فعرف أنه إذا زاد في إنتاجه أكثر من اللازم فلن يجد مَن يشتريه، لذلك يوازن بين ما ينتجه هو وغيره وبين عدد مَن يشتريه، وهكذا تعلم الإنسان نظرية العرض والطلب، واكتشف أيضا (كمُنتج) أن عليه بذل جهد كبير للسيطرة على جانب العرض حتى يسيطر على الأسعار ولم يجد الإنسان أفضل من الاحتكار، (تلك الحقيقة الغائبة في ارتفاع الأسعار). حاربت كل الأديان والشرائع السماوية، بل حتى الوضعية سلوك الاحتكار، وجرّمته الإنسانية واعتبرته استغلالاً بشعاً لحاجة الإنسان والثروات المتاحة. فالاحتكار استغلال تام لوضع السيطرة في الأسواق فيتم التحكم في الكميات المنتجة، وبالتالي تكاليف الإنتاج وجعل المستهلكين يتنافسون في شراء المتاح بدفع أكبر قيمة ممكنة، على أساس أن الفرق بين السعر الحقيقي وسعر الاحتكار هو قيمة التميُّز بالحصول على السلعة وهذه قيمة يقدرها الناس، ويدفعون في مقابلها. وقد يكون هذا السلوك العدواني مقبولاً في السلع الكمالية أو سلع الرفاهية، لكنه يصبح جريمة كبرى في السلع الأساسية (فالتميُّز هنا لا قيمة له). ورغم كون هذا السلوك جريمة، إلا أن القوانين في الدول النامية لم تصل بعد إلى المستوى المأمول لمنع هذه الظاهرة، بينما تقدّمت الدول الاقتصادية الكبرى كثيراً في هذا المجال، وهي تحارب الاحتكار وتجفّف منابعه أولاً بأول، كما تحاصر الشركات، التي حققت بعض السيطرة، وتحقق في أسباب تلك السيطرة ونتائجها على الاقتصاد، وفي حال تم إثبات فعل الاحتكار، فإن العواقب تكون وخيمة على إدارة الشركة، وعلى الشركة ككل، وقد تواجه مخاطر التفتيت والتقسيم إلى شركات أصغر حجماً. إن جهداً كبيراً من الدراسات والتحليل والتحقيقات يجب أن تقوم به الدول لاكتشاف الأسباب الحقيقية، التي تتسبب في ارتفاع الأسعار، فإذا كان هناك اختلال طبيعي في العرض والطلب، سواء في السوق الرئيسة للمنتج أو في أسواق المدخلات الرئيسة له، فإن التدخل على قدر الحاجة والدعم بمقدار الأزمة وتأثيرها في الناس، أما إذا كان ذلك يعود في أصله إلى ممارسات احتكارية، فعلى الدولة اتخاذ التدابير المناسبة لحل هذه المشكلة العميقة والخطيرة على الاقتصاد في المدى الطويل.
إنشرها