FINANCIAL TIMES

بريطانيا تصحو على واقع ما بعد الأولمبياد

بريطانيا تصحو على واقع ما بعد الأولمبياد

خلال الفترة الماضية تعاطت بريطانيا مخدرا قويا مسببا للهلوسة يسمى دورة الألعاب الأولمبية. الآن، ومع تراجع مفعول المخدر فجأة، يكون السؤال ما إذا كان مناخ التفاؤل على المستوى القومي قادرا على الاستمرار - أو ما إذا كان المريض البريطاني سينزلق مرة أخرى إلى اليأس. والإغراء الطبيعي هو رفض أي نشوة ناتجة عن دورة الألعاب الأولمبية تكون عابرة بطبيعتها. فقد كانت هناك أوقات كان تنظيم ألعاب أولمبية ناجحا فيها يعني مؤشرا على تحول الحظوظ القومية وتعزيزها في آن معا. ففي عام 1984 سجلت دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس - مع وجود كارل لويس المنطلق في المضمار بينما تهتف الجموع "يو- إس- آيه" عودة التفاؤل الأمريكي في عهد ريجان. وأبرزت دورة الألعاب الأولمبية المذهلة في برشلونة عام 1992 إسبانيا المزدهرة ما بعد فرانكو. وأرسلت دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 رسالة مهمة بشأن قوة وثقة الصين الصاعدة. لكن على خلاف الولايات المتحدة، وإسبانيا، والصين، اصطدمت دورة الألعاب الأولمبية المتفائلة في بريطانيا بالمزاج العام على المستوى القومي. فالدولة تمر بحالة ركود وتواجه سنوات من التقشف. وهي تنزلق إلى أسفل في جداول الاتحاد الاقتصادي الخاصة بالعالم، وتخشى الهبوط الدائم إلى فرق الدرجة الثانية. ويهدد الاقتصاد الراكد بزيادة حدة التوترات الاجتماعية والإقليمية، حيث يزداد الشعور بالعداء نحو الهجرة، ومن المرجح أن تصوت سكوتلندا بشأن الاستقلال عام 2014. وكثير من هذه المخاوف انعكس في توتر عصبي حاد في فترة ما قبل دورة الألعاب الأولمبية. فقد بدت جميع الحكايات الجديدة سلبية: الصفوف في هيثرو خرجت عن السيطرة؛ وحرس الجمارك هدد بالإضراب؛ وتم الإمساك بمن يشتبه أنهم إرهابيون أثناء فحصهم الحديقة الأولمبية من الخارج؛ وتم إغلاق الطريق السريع من المطار إلى لندن؛ والمطر لم يكن ليتوقف أبدا. وخشي البريطانيون من أن تُظهر دورة الألعاب الأولمبية بلادهم على أنها بلد مقسم؛ وعادي، و(إذا استخدمت اللغة العامية المحلية)؛ "مثل الفضلات". وقد قامت دورة الألعاب الأولمبية بدور المخدر الخاص الذي استهدف كل واحدة من حالات العُصاب هذه. وخلال الألعاب، تمت تهدئة الانقسامات التقليدية فيما يتعلق بالسلالات، والطبقات، والشعب - شعرت البلاد بأنها موحدة وناجحة على حد سواء. ووجد الحفل الافتتاحي ما يسره في التنوع العرقي في بريطانيا الحديثة. وعندما أعرب عضو برلماني يتنمي للحزب المحافظ عن عدم رضاه عن كل هذه "الفضلات متعددة الجنسيات" في تغريدة على موقع تويتر، تم إسكاته بالصياح. وفريق الرياضيين جعل الرسالة مفهومة. ففي الليلة الأخيرة هتفت بريطانيا تحية لمو فرح، البطلة الأولمبية المزدوجة التي وصلت إلى بريطانيا من الصومال عندما كانت طفلة. ويعتبر الانقسام الطبقي أقدم حتى من ذلك القائم على السلالة. فقد بدا التهديد بالإضراب في هيثرو وكأنه يرمز إلى بلد مقسم إلى درجة لا تسمح له بأن يتعاون ويصنع مشروعا قوميا ناجحا. لكن تم التخلي عن الإضراب. وبدلا من ذلك، كانت واحدة من صور المباريات الأكثر استمرارية حماس الـ 70 ألف متطوع أولمبي، في أزيائهم ذات اللون الوردي المتوهج أو البنفسجي. وبالرغم من بعض التبرم بشأن عدد الرياضيين البريطانيين الذين تعلموا في المدارس الخاصة، كان المنتخب الأولمبي أيضا مختلفا على المستوى الاجتماعي. فقد ارتدى لاعب الوثب الأتوني منذ القدم نفس الألوان التي يرتديها الملاكمون الذين نشأوا في أكثر أجزاء البلاد قسوة. وهدأت الألعاب أيضا المخاوف بشأن العداوات المتزايدة بين الأسكتلنديين والإنجليز. وبعض من الرياضيين الأكثر نجاحا في الفريق، مثل لاعب التنس أندي موراي وسير كريس هوي متسابق الدراجات، أسكتلنديون فخورون سَرَّهم أن يتنافسوا باسم بريطانيا. وكان النجاح في الإخراج الخاص بالمباريات والمنافسة الرياضية، دافعا كبيرا للثقة بالنفس على المستوى القومي. وأحد الطموحات الباقية لبريطانيا ما بعد الإمبراطورية هو البقاء لاعبة مهمة على الساحة العالمية، لكن يبدو طموح الدولة المعلن ذاتيا بشأن "الاشتراك في ملاكمة تفوق وزنها" على نحو متزايد متكبر ومتوَهَم. فحقيقة أن بريطانيا تبني حاملة طائرات جديدة، لكنها لا تستطيع حاليا تحمل بناء الطائرات التي توضع عليها، تبدو وكأنها ترمز لهذا الكفاح الخاسر من أجل البقاء في العصبة الكبيرة. ومع ذلك، في المباريات الأولمبية لعبت بريطانيا بالفعل بعبقرية في جولة ملاكمة تفوق وزنها. وقد أدهش البلد وأسعدها أن تصبح الثالثة على منضدة الميداليات - وراء الولايات المتحدة والصين. وقد تواكب النجاح على الطريق مع النجاح في تنظيم المباريات. فقد سارت القطارات في الموعد المضبوط. وتناقض بناء المتنزه الأولمبي واحتفالي الافتتاح والختام المذهلين مع شكوك بريطانيا بشأن أن البلد لم يعد بمقدوره إدارة المشاريع الكبرى. والخوف هو أن تكون بريطانيا مثل رياضي يتقدم في السن، قدم أداء جيدا وأخيرا في الأولمبياد، لكن تدهوره في المدى الطويل حتميٌ ولا مفر منه. وفي هذه الحالة، لن تكون مباريات لندن مثل برشلونة أو بكين، ولكن أشبه بأثينا عام 2004: حفل مدهش أصبح الآن ذكرى حلوة ومرة بالنسبة لبلد مضطرب. وفي الحقيقة، من المرجح أن يكون إرث ألعاب لندن معقدا ومريبا أكثر من ذلك الخاص بأثينا وبكين. فالمشكلات التي أقلقت بريطانيا قبل المباريات لم يتم إبعادها فجأة بسحر أسبوعين رائعين. ومع ذلك ذكر نجاح دورة الألعاب الأولمبية البريطانيين بأنهم يعيشون في بلد لا يزال بمقدوره النجاح داخل وخارج مضمار السباق. وواحد من التعليقات المكررة في المقابلات الرياضية هو عندما طالب أحد الرياضيين أن "يتم استخلاص الإيجابيات من الأداء". وقد أعطت دورة الألعاب بريطانيا إيجابيات كبيرة كثيرة تستطيع التأمل فيها فيما بعد. وإذا أمكن أن يؤدي هذا لتحول في المزاج القومي، سيكون أسبوعا الألمبياد أكثر من مجرد ذكرى عظيمة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES