Author

أعترف: أضربُ أولادي حتى تسيل الدماء

|
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 447 *** * حافز الجمعة: أنت لا تستطيع أن ترى الحبَّ، ولكن ما إن تشعر به حتى ترى جمالَ لمساته الناعمة بعناصر الحياة. المعنِّفون المحرومون من مشاعر الحب، لن يشعروا بتلك اللمسات. *** * رسالة الجمعة: رسالة أتتني من طبيب، ومفروضٌ أنه يتمتع بوجدان وعقل أهَّلاه ليكون ممارسا لواحد من أهم التخصصات الإنسانية وأرقاها: الطب. ولكنها مفاجأة صاعقة لما قرأت محتوى الرسالة. أتعرفون قصة ''الدكتور جيكل والمستر هايد'' شخصيتان منقلقتان لإنسان واحد أحدهما بالغ الشر والآخر بالغ الطيبة، هذا أول انطباع وصلني وعيناي تمسحان سطور الرسالة كلمة كلمة، مذهولا أن أقع على التناقض بذلك الوضوح الحدّي؟ وجدت بين السطور رجلا ضعيفا متألما وممزقا يمد يده بين أمواج الغرق. إنه جلاّد وقاسٍ، وفي الداخل طفلٌ منكسرٌ ومنفطرُ القلب. وحِرْتُ هل أكرهه؟ هل أعطف عليه؟ من ألوم؟ هذه الظاهرة التي لم تعد تعرف فروقا بين طبقات الناس، الظاهرة التي تجثم كابوسا أسود على واقع كثير من الأُسَر: العنف. العنفُ القاهر الذي يُعمي قلبَ الإنسان ثم يُغلق كل حواسه. في المقتطف التالي أترككم مع الرسالة، التي ألحّ علي صاحبُها بنشرها. *** * الرسالة: ''يجب أن تعرف أني أكتب لك، وأنا بكامل عقلي واتزاني، وأعترف لك أني مجنون في أحايين كثيرة. شيءٌ في تركيبي وتشريحي يسير خطأ فينقلب كياني إلى رجل يعميه غضب شديد لا يشبعني فيه إلا ضرب زوجتي وولدَي الصغيرين. في بلدنا كانت تجري الأمورُ بخفاء وستر كما تعوّدنا، وكان حماي يعيد ابنته وولديها كلما هربَتْ إليه من فورة جنوني الغاضب. الآن أنا مع عائلتي بالخارج، وأخذت الأمورُ منعطفا حادا.. ضدي هذه المرة. كالعادة كل يوم قبل أن أعلن عن وصولي للمنزل أشعر بغضبٍ شديد على أي شيء وتتملكني رغبة كاسحة لا تقاوم لضرب زوجتي ضربا مبرحا، لا يهمني إلى متى.. ربما حتى أُنهك نفسي. ثم أني أبدأ الأكل على المائدة وأي حركة قد تغضبني من الصغيرين أقوم وحشا من فوق الطاولة ويبدأ عراكٌ ضارٍ بين وحشٍ وأرنبين لا يملكان من نفسيهما شيئا، والأمُّ تحاول أن تبعدني فيأتيها اللطمُ من كل جهة. ولكن.. هذه المرة تعلمتْ زوجتي شيئا؛ هاتفت البوليس! *** ولم تمض دقائق إلا ورجالُ الشرطة يقتحمون المنزلَ وينقلوني مصفدا إلى سيارة الشرطة ثم السجن والمحاكمة. وما زلت معزولا بأمر من المحكمة في مركز علاجي لتقييم حالتي، وتسليتي التجول في الإنترنت حين رأيت لقاءً لك عرّضا فقررت أن أكتب إليك. لك أن تحكم علي كما تشاء، ولكني أيضا أريدك وأريد المجتمع أن ينقذ طفليَّ وزوجتي مني، وينقذني أنا مني. داخلي طفلٌ معذب يريد الخلاص، كان أبي يضربني بشكل دائم مع أني ابنه الوحيد، وسَوْرات غضبه متواصلة كسلسلة الجحيم، ولأني أكتب لك بالإنجليزية فلا أدري إن كانت الجملة الأخيرة مستساغة. أتعرف أني فس لحظة طباعة الرسالة تجلت أمامي رؤية مريرة بأن والدي مرّر العنفَ بي لأمرره بدوري لأولادي، فأنا الضحيةُ والجلاّدُ معا، وهما سيكونان كذلك لما يشبّان. نعم لقد آلمتُ ولدَيَّ لأني تألمت.. ما أدركته في هذه اللحظة هو أمرّ إدراكٍ على الإطلاق..''. *** * ما زال التنادي حول خطر الإخوة المسلمين واضحا في خطابات بعض المتخوفين، وهو ظنٌ سبق أوانه وخلا من دلائله. لا يمكن أن ننزه الإخوان كما لا يمكن أن ننزّه من تخوّف منهم، فالسياسة أصعب مظانها النزاهة المطلقة. ولدينا مؤشران نرتكن إليهما. المؤشر الأول: التعامل مع الإخوان بحسن الظن ولا مانع أن يأخذ المرء حذره على الدوام بدون تصريح. والثاني: عندما تحسن الظن لا تخسر شيئا فهو يعطيك فرصتين إما يصدق حسن ظنك فتكسب، وإما العكس وهنا لا خسارة، لأنها تحقق نتيجة سوء الظن المسبق. وخوفي أن يصبح الاتهام بـ ''الإخونجية'' موجة عارمة كما حصل حتى بعهد ''مكارثي'' في منتصف القرن الماضي في أمريكا، الذي كان يرى كل لون لا يعجبه شيوعيا أحمر، ونكّل بأساطين الفكر والمجتمع.
إنشرها