Author

لها الحق أن تغضب

|
بينما يتم تسليط الضوء على مسيرة المرأة الناجحة والمميزة في كثير من بلدان العالم، تُنْتَهَك حقوق المرأة في أماكن أخرى مثل تلك التي تعيش وتموت يومياً في دول العالم الثالث، تماماً كما يصيب صقيع برودة القلوب أشلاء نساءٍ في غرف كثيرة مغلقة. لم يفطن المجتمع إلا أخيرا أن للمرأة الحق بالغضب بكل ما تملك من قوة وإرادة. بصفة عامة، الرجل الذكي يحب المرأة التي تجادل وتناقش بموضوعية، لأنها تثير به رغبة التحدي. لكن بعض الرجال يفقدون اهتمامهم بالمرأة متى غضبت وثارت حتى على أنوثتها. هناك تفسير لهذه النظرية، فالرجل الشرقي لا يعرف في أغلب الأحيان كيفية التعامل مع المرأة التي تغضب. طبعاً أنا لا أتحدث هنا عن المرأة التي حملت معها نصيحة أمها بأن الرجل لا يستحق الرقة والطيبة، وأن عليها مراقبته في الذهاب والإياب حتى لا ''تزوغ عينه'' شمالاً أو يميناً. كذلك لا أتحدث عن المرأة التي تعتقد أن زواجها ما هو إلا استكمال لمرحلة ولاية أبيها عليها. أتحدث عن المرأة التي تريد أن تكون علاقة زوجها بها من الحفظ والصيانة بحكم العلاقة الزوجية، وليس بحكم الولاية على النفس. أعتقد وآمل أنكم تتفقون معي أن الولاية على المرأة تنتهي إذا بلغت سن الرشد، وليس بالضرورة لمدى الحياة. إذن القوامة ليست عامة، فليس كل الرجال قوامون على النساء، وإنَّما هي خاصة بشؤون الأسرة، ومشروطة بشرطين أن يكون الرجل أهلاً للقوامة والقدرة على الإنفاق. من حق المرأة أن تغضب وهي ترى بأم عينها تسامح المجتمع اللامحدود مع العنف ضدها. من حقها أن تغضب عندما لا يطبق الجزاء الاجتماعي للعنف الذي تتعرض له المرأة إلى جانب تبريره من قبل رجال القضاء والشرطة وبالتالي حثها - قصراً في معظم الحالات - على التسوية الودية بينها وبين المُعَنِف، سواء كان أبيها أو زوجها. من حقها أن تغضب وحياتها اليومية مثقلة بالتراكمات الثقافية البالية والاجتماعية السلبية والخلط بين العادات الموروثة ونصوص الشريعة الإسلامية. أليس من المفترض أن تنتهي الولاية على النفس ببلوغ الأنثى السن التي تكون مأمونة على نفسها، ولا تحتاج فيها إلى من يجنبها الأخطار التي تتعرض فيها كرامتها وعرضها وكرامة الأسرة التي تنتمي إليها؟ من حق المرأة أن تغضب عندما تُعلَّق أعواماً دون حقوق أو تُطلق ثم تُحرم من رؤية أبنائها. قد يكون أحد أسباب تمرد المرأة هو عدم فهم بعض شرائح المجتمع للنصوص الشرعية تجاه المرأة، سواء فيما يتعلق بحقوقها أو واجباتها. عندما يتعسف بعض أولياء الأمور في التعامل مع المرأة بسبب سوء فهمهم لمعاني القوامة، ينتج عن ذلك للأسف الكثير من القهر والاستبداد والظلم. أعتقد أنه يجب أن تحصل المرأة على أهليتها الكاملة، وشخصيتها القانونية والاعتبارية التي منحها إياها الإسلام ثم سلبها منها المجتمع. من الطبيعي أن تغضب المرأة عندما تُحرم من أهم حقوقها الشرعية. من غير المنطقي أن يشاركها أحد في حقها في راتبها وحصتها من الميراث، ومن غير المنطقي أن يتعرض أحد لخصوصياتها أو التضييق عليها في عملها أو نقابها وقيادتها وسفرها ورياضتها. كذلك من حق المرأة أن تكون لها حرية الموافقة على الزوج الكفء بعيداً عن فرضه عليها بالطرق التقليدية. ألم يأتكم حديث ست الملك بنت العزيز بالله الفاطمي، التي كانت من ذوات النفوذ والسلطات والسياسة والإدارة والعقل والرأي، التي أزاحت أخاها الحاكم بأمر الله، وقامت بإدارة الدولة مدة أربع سنوات في مصر؟ ألم يأتكم حديث سكندر بيكم، التي أدارت أمور الهند إدارة رشيدة، وتمكنت خلال مدة ست سنوات من إيفاء ديون الإمارة؟ أتفق معكم أن الزمان قد اختلف والمكان غير المكان، لكن علينا الاعتراف بإنجازات المرأة العلمية والاجتماعية. سيأتي اليوم الذي ستتكرر فيه تجارب وجدان وسارة ويرتفع علم الوطن احتفالا بإنجازات المرأة في جميع أنحاء العالم، سواء شئنا أم أبينا. يحق للمرأة أن تغضب، فقد جاء نصيبها من التعليم ضئيلاً جداً ولم يتم تأسيس الرئاسة العامة لتعليم البنات إلا عام 1960، وأسندت إدارتها حينئذٍ لهيئة تنظيمية لم تكن بينهم امرأة. يحق للمرأة المطلقة أن تغضب عندما لا يتيح لها زوجها – عادة بسكوت مشبوه من بعض القضاة - فرصة لرؤية أطفالها. يحق للمرأة أن تغضب وهي تتحمل الشروط التعجيزية للحصول على ترخيص في قطاع المشاغل النسائية بمخرج للطوارئ إرضاءً للدفاع المدني ولكن بدون مخرج إرضاءً لجهات مجتهدة أخرى. يحق للمرأة أن تغضب، لأنها تعاني الفتاوى المتعلقة بقضايا الأسرة، التي تنطلق من مبدأ تحريم الكثير من الأمور المتعلقة بشؤونها وحقوقها. أما إذا خرجت على هذه الفتاوى ولم تمتثل لها فقد عرضت نفسها للتأثيم واعتبرها المجتمع مخالفة للأنظمة والقوانين. في الوقت الذي نرفع فيه عقيرنا ونتشدق صارخين بإعطاء المرأة حقوقها كاملة، نستمر بالممارسات المعاكسة لهذا التوجه بازدواجية في الرأي وتناقضٍ في التطبيق. ما قد يشفع للمرأة ثورتها العارمة وغضبها وتمردها أنها لا تنوي بدفع نفسها إلى المهالك وترك الحبل على الغارب بدعوى الحرية المُطْلَقَة من ناحية، أو من منطلق المساواة (أو العدل) بين الرجل والمرأة من ناحية أخرى. في كلتا الحالتين يفتقد البعض منا أدنى مستويات الأخلاق والأدب فيصفها بأبشع الصفات، بل في بعض الأحيان أكثرها قبحاً. لهذه الأسباب تغضب المرأة ولها الحق أن تغضب وتتمرد.
إنشرها