Author

أهالي قرى الخوبة.. قضية أمن وطني

|
سقط صاروخ سكود خلال حرب تحرير الكويت على مبنى الأحوال المدنية في الرياض، تسبب ذلك في انقسام المبنى إلى نصفين واختفاء النصف المتأثر تماماً. بقي منظر المبنى يذكر بالحرب وآثارها لسنين. انتقد كثيرون تباطؤ التعامل مع هذا الموقع، وتأخر إعادة إعماره رغم اقتدار الدولة وتوافر المبالغ، وذلك لرمزية الحدث وأثره النفسي. يعطي نظام المنافسات والمشتريات الحكومية أولوية خاصة وامتيازات محددة للمشتريات والعقود ذات العلاقة بأمن الدولة وحمايتها لأهميتها في حماية سمعة الوطن ودعم الجبهة الداخلية وضمان استمرار ثقة المواطن بأجهزة الدولة واهتمامها بشؤونه وأمنه وسلامته. سبق أن كتبت في قضية تأهيل المسؤولين الذين تنوي الدولة تعيينهم في مناصب قيادية. ربطت حينها بين ما يتم تطبيقه في العديد من دول العالم وما هو حاصل لدينا. فرغم اهتمام الدولة بكل قطاعاتها بالتدريب وكثافة الأنشطة التدريبية لكل فئات العاملين، إلا أن الكثير من الوظائف ذات العلاقة بالسياسة العامة للدولة والأمن بمختلف أجهزته، حتى المتعلقة بإقرار أو التعامل مع الاستراتيجيات العامة للدولة داخلياً وخارجياً لا يُطالب من يرشحون لشغلها بدورات محددة أو تأهيل معين. يحتاج شاغل الوظائف في مراتب معينة إلى تأهيل في مجالات أشمل من اسم الوظيفة التي يشغلها. فكلما كانت الوظيفة مؤثرة أو متأثرة بأعمال جهات خارج الوزارة، وكلما كانت لها ارتباطات مع جهات خارج الدولة، كان من المهم أن يشمل التأهيل لها برامج ودورات في الأمن الوطني والقيادة الاستراتيجية والتخطيط. لا بد أن يعرف كل مسؤول في هذه المستويات الأثر الذي تتركه تصريحاته وتصرفاته وأنشطة الجهة التي يديرها في الجهات الأخرى وفي المواطن بالدرجة الأولى. إن تكليف موظفين غير مؤهلين لشغل المناصب ذات الأهمية السياسية والإعلامية والنفسية للدولة يؤدي إلى تراكم الأخطاء وظهور مشاكل لم يكن لها أن تظهر لو كان المسؤول مؤهلاً لوظيفته. تتصيد كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أخطاء المسؤول الذي قد يختار ألفاظاً غير ملائمة للموقف أو يتصرف بشدة أو عصبية، وتضخمها وتحيلها إلى قضية رأي عام. يتجلى عدم التأهيل في أوضح صوره عندما يتهرب بعض المسؤولين من المشاركة في البرامج الحوارية. تركز وسائل الإعلام على هذا الهروب من خلال ترك المقعد خالياً أو ذكر اسم الجهة والتنويه إلى أنها لم تتعاون أو ترسل من يمثلها عند مناقشة قضية تهم المواطن. هذا الهروب يسيء للجهة حتماً، لكن حضور بعض المسؤولين وحديثهم بطريقة تستفز المواطن تجعل الهروب أقل ضرراً من الحضور. كل هذا سببه عدم تأهيل المسؤول في مجالات التعامل مع وسائل الإعلام والتأثير في الجماهير، وهو جزء من التأهيل في دورات الأمن الوطني. تحدثت حلقة يوم الأحد 8 من شهر شوال في برنامج ''يا هلا'' على قناة روتانا خليجية عن اعتصام سكان 96 قرية من قرى محافظة الخوبة مطالبين بالعودة لقراهم بعد أربع سنوات من الضياع والوعود التي لم تحقق. لم يحضر أحد من مسؤولي القطاعات الحكومية النقاش. فسر الناس الغياب بأنه اعتراف بالخطأ، أو هروب من المسؤولية، أو عدم اهتمام بحقوق هؤلاء المساكين. فكيفما قرأ المشاهد هذا الغياب، يخرج بنتيجة سلبية عن هذه القطاعات. استمرت القضية كل هذا الوقت، رغم أمر خادم الحرمين الشريفين بإنهائها منذ السنة الأولى، يعيد ذلك إلى الذاكرة حالة البيروقراطية البغيضة وانعدام الحس الوطني الذي يميز بعض الموظفين الذين يعتبرون الذهاب إلى المكتب والعودة إلى المنزل وقتاً ضائعاً. وهو ضائع فعلاً ما دام الشخص لا يحقق الغرض الذي عُيِّن من أجله في وظيفته. عندما قررت الدولة المساهمة في إعادة إعمار غزة، لم تنقض أشهر إلا والمبالغ مرصودة في حساب البرنامج. رغم أن القاعدة المنطقية تقتضي أن تفي جهات الدولة بالتزامات تجاه شعبها قبل تنفيذ الالتزامات الدولية. أتوجه بحديثي إلى كل مسؤول عطل عملية إعادة المواطنين إلى منازلهم التي أقرتها الإرشادات التي اعتمدتها اللجان المختصة، بأن يعيد حساباته، أن ينظر إلى المواطن المسكين الذي يسكن الخيمة ويضطر إلى انتظار إعانة تصل إليه بعد ثلاثة أشهر، أن ينظر إلى القضية بشمولية تتعلق بسمعة المملكة وأمنها وحماية حدودها. الإشكالية التي تتعلق بهذه القضية هي عدم التعامل مع الموضوع من منظور إعلامي وسياسي وأمني. هذه القضية يا سادة ليست قضية مشروع يدرج في الميزانية أو لا يدرج. وليست قضية مطالب في مدينة الرياض أو جدة أو أي مدينة أخرى. ليست قضية حفريات وأنفاق وتعثرات قابلة للتبرير. هذه القضية تتعلق بمدى اهتمام الدولة بسكان الحدود الذين يفترض أن يكونوا الصمام المُعين لحرس الحدود. قضية تتعلق بسمعة المملكة وتأثير الحرب فيها، وبقاء السكان متأثرين بحرب انتهت منذ أربع سنوات. قضية توضح مدى انضباط المسؤولين في تنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدرها القيادة، تتعلق بسيادة دولة تعين كل دول العالم المحتاجة، ومواطنوها أولى دون أدنى شك. هذه القضية يجب أن يجتمع عليها جميع الوزراء أصحاب العلاقة مع ممثليهم وينهوها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، حتى يتوقف الدوران في حلقة مفرغة، ويدخل المواطنون بيوتهم بدل أن يعانوا في العراء.
إنشرها