Author

جون ناش!

|
في بعض مجتمعات العالم الثالث يعتبر الكثيرون المرض النفسي من الأمراض التي يجب أن تكون في طي الكتمان، وألا يتجاوز حدود جدران الأسرة التي يوجد فيها هذا المريض، بل إن البعض ربما فضّل أن يعاني المرض النفسي على أن يذهب لعيادة نفسية حتى لا يراه أحد (فيعيّره) بأنه مريض نفسيا! في عام 1966 وقف العالم بأسره مذهولا حين حصل أحد العلماء العباقرة على جائزة نوبل للاقتصاد رغم أنه لم يكن مصابا بمرض نفسي وحسب، بل وبمرض عقلي من أشد الأمراض العقلية فتكا بصاحبه وهو الفصام، حيث يخيل للمصاب به أنه يرى أشخاصا لا يراهم غيره، ويسمع هلاوس وأصواتا، ويشك دوما بأنه مراقب ومعرض للقتل، وهذا ما كان يشعر به صاحبنا الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد، ولعلكم تتساءلون من هو هذا العالم؟! إنه جون ناش الذي حصل على البكالوريوس من كلية كارينجي عام 1948، ومن ثم قدم أوراقه للالتحاق بالدراسات العليا في كلية برينستون، وقد طلب وقتها ناش توصية من أستاذه تسهل قبوله فكتب له سطرا واحدا (هذا الرجل عبقري)، بعد ذلك حصل على درجة الدكتوراه حول (نظرية اللعبة) game theory والتي لاقت رواجاً كبيراً فيما بعد، ثم عمل أستاذا بالجامعة. وبعد زواجه بزوجته (اليسا) بدأ ناش يعاني أعراضا غريبة، وبعد فحصه تبين أنه يعاني أعراض الفصام، حيث كان يعتقد أن رسائل وصلت له عبر التلفاز والصحف وإنذارات تخبره بأن في المدينة قنبلة، ومطلوب منه كعالم أن يجد الرقم السري للقنبلة، وكان لديه مكان كالمختبر يجلس فيه لأيام محاولاً إيجاد الرقم السري، والحزين في الأمر أنه كان يتخيل أشخاصا كثيرين يحيطون به إلى أن تدهورت حالته النفسية والاجتماعية وأدخل إلى مشفى ماك لين، عام 1959، حيث شخصوا إصابته بانفصام الشخصية الارتيابي مع اكتئاب بسيط وقلة التقدير للذات. وخرج من المستشفى ولكنه لم يكن بصحة جيدة ورجع لتخيلاته وأدخل المستشفى مرة أخرى، ولكن مع تلقي العلاج بانتظام. ومع الوقت أصبح في حال أفضل ورجع ليدرس في الجامعة، ولكنه استمر يرى التخيلات إلى آخر يوم في حياته. تقول عنه أخته مارتا في مذكراتها: "إن جوني كان دائما مختلفا. والدانا عرفا أنه مختلف، وعرفا أيضا أنه ذكي جدا. كان دائما يريد أن يقوم بالأعمال بطريقته الخاصة. أمي كانت تصر على أن أقوم أنا له بالأعمال، وأن أدخله في صداقاتي. لكنني لم أكن متحمسة جدا لأعرف أصدقائي على أخي الغريب بعض الشيء". إن قصة هذا العالم العبقري تعتبر ملهمة لكل شخص يعاني مرضا نفسيا أو عقليا وخاصة مرض كالفصام، فجون ناش استطاع أن يفصل بين عالمه الحقيقي وعالم الخيالات والأوهام الذي لم يكن يراه أحد غيره.. وكان مؤمنا بقدرته على نفع البشرية من خلال نظريته الفريدة، كما أن وقوف زوجته إلى جواره ودعمها له كان له الأثر الكبير في مسيرته العلمية، وكم أحزن حين أرى بعض المرضى النفسيين يهيمون في الشوارع دون أدنى اهتمام، ألا تعتقدون أنه قد يوجد بينهم عبقري قد يقدم شيئا ما للبشرية لو أن أحدهم آمن به ووقف إلى جانبه... ربما! ومضة يقول مارتن لوثر كنج: "حياتنا تشرف على النهاية يوم نلوذ بالصمت إزاء الأشياء ذات القيمة".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها