Author

هؤلاء «جابوا العيد» قبل أوانه

|
كعادتي في رمضان من كل عام، وقبل بلوغ عيد الفطر المبارك، أعاده الله عليكم باليمن والبركات، أترقب حفل توزيع جوائز (من جاب العيد) قبل أوانه. الفائز بالمركز العاشر هي الجهات الرقابية على القطاع الفندقي بالمملكة. شركات وسيطة من خارج البلد توقع عقود تأجير موسمية مع فنادق مكة والمدينة، ومن ثم تعيد بيعها بأسعار خيالية تصل إلى عشرة أضعاف سعرها النظامي. تَفَتّقَتْ عقول أصحاب هذه الشركات هذا العام عن أساليب غير شرعية فأنتجت تسعيرة خاصة لغرفة واحدة غير مطلة على الحرم تصل إلى أكثر من 20 ألف ريال يومياً في غياب كامل للجهات الرقابية. هذه المبالغات لا تمس فقط القطاع السياحي، بل تخالف دور المملكة الإنساني لخدمة المعتمرين، إضافة للإضرار بالنزلاء والشركات المحلية المستثمرة، بينما الجهات المختصة في سبات عميق. المركز التاسع كان من نصيب وزارة الصحة، فقد نجح مسؤول مغوار سابق في الوزارة في ''الفوز'' بصفقة ترسية تأمين 706 كراس للغسيل الكلوي غير مطابق للمواصفات، منجزاً شبهة مخالفات تتعلق مباشرة بالفساد المالي والإداري تعدت ملايين الريالات. المؤلم أن هذه الكراسي تتعلق بالدرجة الأولى بصحة المواطن التي يبدو أنها ليست من أولويات سعادة المسؤول السابق أو المسؤولين الحاليين. هيئة مكافحة الفساد وصلت ــــ ولو متأخرة ــــ وأحالت ملف القضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق. يا مسؤولين، إذا بليتم فاستتروا! أما المركز الثامن ففازت بها وزارة المياه التي أطلقت الوعود بالقضاء على أزمة المياه التي عصفت بعدد من أحياء محافظة مكة المكرمة. ''إنجازات'' الوزارة شملت توقف الضخ في الأحياء، إضافة لطوابير الزحام المتشعبة على مناطق تعبئة صهاريج المياه. نتيجة هذه ''الإنجازات'' هي فوضى خلاقة وسوق سوداء ارتفع بموجبها سعر الصهريج إلى أكثر من 250 ريالا. وما زالت تصريحات المسؤولين ــــ لحين كتابة هذا المقال ــــ بأن أزمة المياه لن تعود إلى جدة مرة أخرى متكررة وغير مسؤولة. شركات القطاع الخاص فازت بالمركز السابع فهي قد نجحت في تأمين وظيفة واحدة يتيمة للسعوديين مقابل توظيف 13 عاملا أجنبيا. الأرقام الرسمية واضحة فقد تم منح القطاع الخاص خلال العام الماضي أكثر من 1,1 مليون تأشيرة عمل ما يؤثر على نسبة توظيف السعوديين بالقطاع الخاص الذي تكرم بتوظيف 83 ألف سعودي فقط، ناهيك عن ازدهار المتاجرة بالتأشيرات. نأمل أن حزمة القرارات الصارمة لزيادة عدد الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص تحصل قريبا على موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى. المساجلة الإعلامية بين هيئة مكافحة الفساد ومؤسسة الخطوط الحديدية فازت بالمركز السادس. مكافحة الفساد تقول: إنها تستند في بياناتها إلى حقائق لا تقبل التشكيك وتم نشرها بعد التحري التام. أما الخطوط الحديدية ــــ أعانها الله على قطارها اليتيم ــــ فقد أكدت أنها أشارت إلى مخالفات قائد القطار ومساعده وما اتخذته من إجراءات لتلافي تكرار الحوادث. ازدادت الجائزة تألقاً بإعلان الخطوط الحديدية أن قيام قائد القطار بتسليم القيادة للمساعد لا يعد مخالفة إدارية. المركز الخامس فاز به سارق الـ 15 مليون ريال من رواتب موظفي الدولة والقطاع الخاص الذي أطاحت به إدارة البحث الجنائي في الرياض. السارق ــــ وهو مواطن سعودي في العقد الثاني من عمره ـــ يعمل في إحدى شركات نقل الأموال (وظيفة ملائمة جداً)، فر بشاحنة نقل الأموال الموكل إليه العمل عليها وبداخلها 15 مليون ريال. أما مصدر الأموال المسروقة فهي مؤسسة النقد العربي السعودي. تحية تقدير للجهات الأمنية التي تمكنت من القبض على السارق خلال 48 ساعة من وقت تلقي البلاغ. باعة ''نجوم الليل'' و''النحل'' و''الصواريخ'' و''أبو حمامة'' و''النافورة'' ــــ وهي بالمناسبة أسماء الطراطيع أو الألعاب النارية ــــ فازوا بالمركز الرابع وها هي فرصتهم ''الملتهبة'' لتحقيق مكاسب مالية غير مسبوقة قبل حلول العيد. ''البضاعة المتوهجة'' عادة تظل مخفية عن أنظار رجال الدفاع المدني البواسل، ولكن مع اقتراب العيد تجد طريقها إلى قلوب وجيوب صغار السن الذين يجدون فيها متعة مشوقة. أما الباعة فهم يكسبون في الليلة الواحدة أكثر من 1500 ريال لها الفضل بإضافة تشوهات على أجسام الأطفال. الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان فازت بالمركز الثالث لتبنيها تظلمات المواطنين ضد شركة الكهرباء وتعهدها أن هذه التظلمات ما زالت قيد الدراسة في إدارة الشؤون القانونية بالجمعية. القصور في تأدية الوزارات الخدمية لواجباتها لا يجب أن يمر مرور الكرام، المبادرة السريعة في حل مشاكل المواطن اليومية هي فوق أي اعتبار. لا أعتقد أنها المرة الأولى التي ترد فيها تظلمات المواطنين لجمعية حقوق الإنسان، ولذلك فالنتيجة معروفة مسبقاً. المركز الثاني كان من نصيب 120 موظفا في وزارة العدل طوت الوزارة ملفاتهم، لعدم انضباطهم في الدوام الرسمي والتغيب والتأخر عن الدوام والإخلال بواجبات العمل خلال العام الجاري والعامين الماضيين. تحية تقدير لحزم الوزارة بالرغم أن الإجراءات التي اتخذتها هي من واجباتها وفق أحكام النظام، المهم هو تحقيق مصلحة الوطن والمواطن. لعل الوزارات الخدمية الأخرى تتخذ الموقف نفسه لضبط جميع إجراءات العمل فيها والقيام بمسؤوليتها المنوطة بها لخدمة المواطن. أما المركز الأول فهو من نصيب بعض أمانات الوطن. جاءت موافقة مجلس الوزراء هذا الأسبوع لتأسيس لجان في الأمانات لتنسيق المشروعات، خاصة الكبرى لتحريك مشاريع متعثرة تقدر تكاليفها بأكثر من تريليون ريال خلال السنوات الأربعة الماضية، ضربة قاسية لكل من يتحمل مسؤولية تعثر هذه المشاريع. ومع ذلك لدي شعور أن هذا القرار لن يحرك ساكنا ولن ينتهي أي مشروع حكومي في موعده طالما أن المسؤولين أنفسهم ما زالوا على كراسيهم. كل عام وأنتم بخير.
إنشرها