Author

الريادة الاجتماعية .. مَن يعلق الجرس؟

|
تقطع قلبي وأنا أستمع لشكاوى المعوقين في إحدى الإذاعات المحلية، وانتابتني حالة من الحزن عندما سمعت أحد المسؤولين في جمعيات رعاية المعوقين، وهو معوق، والذي أبدى في حديثه يأسه الكامل من وزارة الشؤون الاجتماعية التي تصرف للمعوق راتبا في حدود 800 ريال في زمن وصل فيه التضخم ما وصل إليه، حيث بات هذا المبلغ لا يكفي لسعر ''جزمة '' كما يقول أحد المتصلين من المعوقين. لا أعفي الوزارة من مسؤوليتها المباشرة عن هذه الفئة وفئات أخرى مماثلة ضامها الواقع وسقطت في براثن الفقر أو الجهل أو المرض أو التفكك الأسري وما يترتب على ذلك من مشاكل لا حصر لها يتضرر بها المجتمع بالمحصلة، وأقول لا أعفي الوزارة وكذلك لا أعفي المجتمع إذا لم يسارع أفراده عموما وميسوروه خصوصا ويتكاتفوا للتكفل بهؤلاء لإنقاذهم وإعادتهم إلى الظروف الطبيعية التي تمكنهم من إكمال مسيرة حياتهم بعزة وكرامة ومشاركة بقية المجتمع في مسيرة التنمية بأبعادها كافة. أفراد المجتمع السعودي لا يقلون إنسانية ورحمة عن غيرهم من الشعوب التي مأسست المبادرات الاجتماعية بكل أشكالها لتمكن المبادرين من أصحاب الأفكار الخيرية وداعميهم من ميسورين وأعيان وطاقات من تحقيق أعلى فاعلية وكفاءة ممكنة للنهوض بمهام هذه المبادرات لخدمة المجتمع وقضاياه ومشاكله، إلا أنه ومن واقع نلمسه جميعا فإن المبادرين من أفراد المجتمع السعودي الذين يرجون خيري الدنيا والآخرة، خصوصا الشباب، لا يجدون سوى الأبواب المؤصدة والمواعيد الطويلة والتسويف القاتل لمأسسة مبادراتهم وطموحاتهم ورغباتهم في خدمة المجتمع ليكملوا دور الحكومة والقطاع الخاص في خدمة مواطنيهم من أصحاب الحاجات من فقراء ومطلقات وأرامل وأيتام ومعوقين. وهذا هو حال البعض الآخر من أفراد المجتمع السعودي الذين يتطلعون لخدمة مجتمعهم بمجالات تتجاوز حالات الإنقاذ والإغاثة والحالات الإنسانية إلى مجالات تدعم خطط الحكومة والقطاع الخاص للنهوض بالبلاد في سباق الأمم والحضارات، حيث يروي الكثير منهم معاناتهم من عراقيل كثيرة تمنعهم من تشكيل المؤسسات النظامية التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم بأعلى فاعلية وكفاءة بالاستثمار الأمثل للموارد بما في ذلك الوقت الذي بات عنصرا حاسما في سباق الأمم. أرفع القبعة للبعض - وإن كنت أعذر من تخلى عن مبادرته – الذين تحدوا العوائق والعراقيل واستمروا في مطالباتهم حتى وفقوا بعد سنوات للحصول على الترخيص النظامي، كما أرفع القبعة للبعض الآخر الذي بحث عن مظلة نظامية قائمة وعمل تحتها وفي إطارها لمأسسة مبادرته وإن عانى الكثير أيضا عدم التوافق الفكري مع القائمين على المنظمة القائمة لعدم التجانس من جهة الخطط والتنظيم ومعايير التقييم والمتابعة ومن جهة سمو الأهداف ونبلها. ومن جهتي، أقول إذا كانت الدولة بفضل من الله فيما مضى من السنين قادرة على التصدي لقضايا ومشاكل المجتمع وتوفير كل الخدمات الأساسية للمواطن بالتكامل مع القطاع الخاص الذي رعته الدولة لمدة طويلة ليصل إلى مرحلة النضج، أقول إذا كان ذلك ممكنا فإنه اليوم غير ممكن بحال من الأحوال وإن تكامل القطاعان الحكومي والخاص بأعلى درجة ممكنة، فالنمو السكاني وزيادة الحاجات والقضايا المجتمعية والمشاكل لا يمكن التصدي لها وتلبيتها دون تفعيل مفهوم الريادة الاجتماعية الذي يعتبر حجر الزاوية المكمل للمؤسسات الحكومية والخاصة في صناعة المبادرات التنموية والعلاجية المبنية على حاجات المجتمع الأساسية. مفهوم الريادة الاجتماعية مهم جدا لتنمية المجتمع من جهة المساهمة في التنمية البشرية والاهتمام بالقضايا الاجتماعية كافة بما في ذلك الطلاق والعنوسة والفقر واليتم والعمل التطوعي، وهو مفهوم لا يقل عن أهمية مفهوم ريادة الأعمال في استثمار طاقات الشباب وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف التنموية وتحويلها لسواعد بناء بدل أن تكون معاول هدم، والتأخر في تحفيزه وتشجعيه والعمل بموجبه لأي مبرر كان يحرم البلاد من خير كثير وطاقات وأموال هائلة يمكن أن تصب في الأهداف التنموية، وسيترتب على تجاهله مشاكل أكثر من المشاكل التي يخشاها البعض، فالعالم يتطور وحاجاته تتشابه وحلوله يمكن تبادلها ومن يؤخر المسيرة سيجني الشوك طال الزمان أو قصر، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك كما يقول المثل العربي الشهير. لدينا أكثر من مليون ونصف مليون عانس، لدينا نحو مليون مطلقة، لدينا حالات إعاقات متنوعة تعاني صعوبة كبيرة في الاندماج في المجتمع، لدينا نقص في الأسرة والخدمات الطبية والمواعيد الماراثونية الكل يعرفها، لدينا نقص في التعليم النوعي، وكل ذلك نشأ عن النمو السكاني الكبير الذي لم تواكبه تنمية تلبي حاجاته الأساسية والكمالية لأسباب متعددة، والدولة اليوم تبذل الموازنات الهائلة، لكن لا جدوى إلا إذا فعلت الريادة الاجتماعية لاستثمار طاقاتها اللامتناهية والهائلة كما استثمرتها الدول المتقدمة. نحمد الله أن الميسورين في بلادنا من أصحاب الأيادي البيضاء كثر، ونحمد الله أن لدينا طاقات شبابية وثابة وطموحة ومتطلعة لديها من الانتماء للوطن والدين والمليك الشيء الكثير وتتطلع للمساهمة الفاعلة في تنمية البلاد لنيل ثوابي الدنيا والآخرة، وقيادة تعمل على توظيف كل الإمكانات والطاقات لخدمة المواطنين وتحقيق أفضل مستويات العيش الكريم .. فمن يعلق الجرس ليطلق ويقود مسيرة الريادة الاجتماعية ليمكن المبادرين من مأسسة مبادراتهم الاجتماعية بسهولة ويدعمهم بتوفير الموارد وتحديد أفضل الممارسات وتعزيز الابتكار؟
إنشرها