Author

نعم مقصرون في التعبُّد بالمال

|
من المعروف أن المال شيء محبّب إلى الإنسان بطبيعته، فهو يبذل الجهد بدرجات متفاوتة طوال حياته العملية في جمعه والتزود أكثر منه حتى يصل الحد بالبعض من الناس إلى الهوس في حب المال لدرجة أنه يكون نقمة لا نعمة على ذلك الشخص. وعلى الطرف الآخر هناك من يكون المال مصدر سعادة وقوام حياة هانئة له، ليس لأنه ينفقه على نفسه فذاك شأن عادي لا غرابة فيه، بل لأنه يتلذذ برؤية أثر ماله نحو إسعاد الآخرين. ولقد جاءت الأديان السماوية على المال وآليات إنفاقه وتنظيم جوانبه المتعددة حتى في طرق استصلاحه وصرفه وتنميته لتضع حدوداً وواجبات عليها. كما نظم بعضها كالدين الإسلامي أدق تفاصيل شؤونها كالميراث وغيره. إن جميع الأديان تحث على إنفاق المال في أوجه الخير وإدخال السعادة على المحتاجين وبذله في أنشطة تزيد من ترابط المجتمع أو تقوي من شأنه ومنعته، كالإنفاق على الجهاد وخلافه أو في أوجه تسد حاجة البعض المحتاج منهم من أموال الآخرين الذين لديهم سعة في أموالهم. فالزكاة مثلا قد وصى الله بها سيدنا عيسى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ففي الآية الكريمة في سورة مريم يقول ــ سبحانه وتعالى ــ "وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً". ولذا فالزكاة أمر ليس بالجديد في الدين. وحين جاء الإسلام أكد هذا الجانب في حياة وسلوك الفرد والمجتمع ليصل إلى مرتبة وضعها، أي الزكاة، ركن من أركان الإسلام التي لا يصح إسلام المرء إلا بها تأكيداً لأهميتها ودورها في استقامة مستوى المعيشة ورفاهية المجتمع بأسره. إن الأبعاد المعنوية والاقتصادية للزكاة لهي أكبر من وصفها في مقال مثل هذا لكن ما عنيت إلى إبرازه خصوصا في هذه الأيام الفضيلة من أيام رمضان المبارك التي درج كثير من الناس على إخراج زكاة ماله فيها لاغتنام شرف الزمان هو إننا لم نعط هذا الركن حقه من الاهتمام خصوصاً في الجانب التنظيمي، علماً بأن الزكاة هي الركن الثالث في الإسلام وتأتي قبل صوم رمضان، ولا أقصد هنا المصلحة الحكومية الخاصة بالزكاة، فذاك لها شأن آخر، بل المقصود على المستوى الشخصي. فمثلا هل يوجد مصدر لقاعدة معلومات أو بيانات موثقة عن المحتاجين بخلاف ما تقوم عليه بعض الجمعيات الخيرية أو ما شابهها والتي ليس بالضرورة يكون لديها كل المعلومات عن المعوزين أو الذين لا يسألون الناس ويتكففون، بينما هم من أحوج الناس للمال كي يعيشوا فقط. إن بذل الجهد للوصول إلى المحتاج للزكاة أو الصرف منها على أي من وجوهها التي أمرنا الله ــ سبحانه وتعالى ــ بها لهو أمر مفروض على كل مزكٍ، وينبغي ألا يكون إخراج الزكاة مجرد مبالغ مالية يتخلص منها الشخص لإبراء ذمته لأن الأمر ليس كذلك وقد لا تبرؤ ذمة المزكي حين يكون هاجسه فقط التخلص من هذه الأموال. فالمعنى للزكاة أبعد وأكبر وأسمى وأهم من كونها مبالغ مالية أو عينية يدفع بها الشخص كل سنة دونما بذل أي جهد للتحقق من إيصالها لمستحقيها المفروضين شرعاً.
إنشرها