Author

المسلسلات السعودية .. توجيه مباشر وقالب ممل

|
إن الإنسان لا يولد متعلما، ولكنه يبدأ في التعلم بمجرد خروجه إلى هذه الأرض، فالطفل يبكي من أجل تناول الحليب، ويبدأ تدريجيا ليتعلم أن الطريقة الوحيدة للحصول على الحليب هي البكاء. إذا فالحياة منذ البداية تبدأ بتعليم الرضيع بطريقة غير مباشرة لتحقيق هدف ما، ويكبر الطفل ليكتسب اللغة ويبدأ التوجيه من خلال تلك الوسيلة، ليكتسب الفرد في حياته أمورا عدة، ولكن تظل الوسيلة التي يتم بها التوجيه هي الأهم في كثير من المجالات والمواقع. فمثلا ترد كثيرا شكوى الأم التي يعاندها طفلها باستمرار بل ويكبر ليصبح مراهقا فيعاندها بشكل أكثر، وتستمر الأم في الشكوى، ولو تأملت لوجدت أن أسلوب الأم في التوجيه هو المشكلة الكبرى، فمتى يدرك المحيطون أن زمن التوجيه المباشر قد انتهى؟ ولم يعد عقل الإنسان مبرمجا لقبول الأمر المباشر خاصة في مراحل معينة كالطفولة والمراهقة؟ أما في مرحلة الشباب والرشد، فالإنسان في هذه المرحلة بحاجة إلى الأسلوب البناء من أجل قبول لغة الأمر، وبالتالي تحقيق الهدف، فتخيل أن يصرخ مديرك في وجهك كلما أراد أن يأمرك بتنفيذ عمل ما أو أن يبطن لك في أسلوبه السخرية مثلا فماذا ستكون ردة فعلك؟ إنك مهما كنت ملتزما بعملك إلا أنك ربما تتضايق من هذا الأسلوب كأقل تقدير، وفي علم الإدارة هناك أنماط متعددة من الفنيات التي يتعامل بها المدير مع كل نمط من أنماط الشخصية التي أمامه، والمدير الناجح هو الذي يستطيع قبل كل شيء عمل دراسة وافية وشاملة لشخصيات الموظفين الذين يتعامل معهم، وتلك هي الخطوة التي تعد حجر الأساس في الإدارة الناجحة وليس فقط داخل الأسر أو المؤسسات والشركات، ولكن المجتمع بأكمله يحتاج إلى طريقة مناسبة للتوجيه انطلاقا من إدراك الإطار النمطي لشخصيات ذلك المجتمع ومعرفة خطوط القبول والرفض والبناء الاجتماعي. ولعل الجانب الإعلامي هو من أهم الموجهات الاجتماعية، لما لتلك الوسيلة من تأثير شديد في الشخصية عموما والتوجه الفكري بشكل خاص، ولعل الأعمال التلفزيونية لها أثر كبير في الإنسان من خلال تشرب الفكرة بطريقة سلسة وغير مباشرة من المفترض أن ينتقي فيها الفرد ما يبني ويصلح من شخصيته وتفكيره، ولو سلطنا الضوء على بعض الأعمال الفنية السعودية خاصة بعض الأعمال التي تسمى كوميدية سنجد أن أبسط مهارات العمل في الفن الكوميدي غير موجودة، فلا تزال الكثير من المسلسلات الكوميدية تعمل على التوجيه المباشر غير المقبول من المشاهد الذي ما زال يعتبره البعض يفكر بسطحية في ضوء الكثير من الأعمال العربية الجيدة. أعتقد أن المنافسة أصبحت قوية ولا مجال لتقديم الأعمال غير المدروسة لمجرد الاستعراض الساذج دون أن نفكر في أن من حولنا يسير إلى تقديم الأفضل والمثمر، ولكن لا نزال في كثير من المسلسلات السعودية نحتفظ بمجموعة من سلوكيات عشوائية وأسلوب مباشر سطحي يقدم للمشاهد تحت عنوان فن الكوميديا.. أما الفن التراجيدي فلا يقوم إلا على مختلف أساليب العنف والضرب الذي تتعرض له المرأة من زوجها أو والدها، أعتقد أننا ما زلنا ندور في الحلقة نفسها سنوات عديدة، والمشكلة أن الأمر يقدم كل فترة زمنية بالقالب الممل نفسه، ولا أبالغ حين أقول إن عددا غير قليل من المسلسلات السعودية تنقصها الفكرة والإبداع، حتى الديكور المستخدم من حول الممثل دائما يكون مملا ليس فيه أي جانب من جوانب الجذب الجمالي.. إلى متى ستظل الأعمال تخرج بالصورة ذاتها؟
إنشرها