Author

بطالة بلا أمل

|
أياً كان تصورك لمدى السوء الذي بلغه الاقتصاد العالمي اليوم من حيث دورة الأعمال، فإن هذا ليس أكثر من عدسة واحدة ننظر من خلالها إلى العالم. فمن حيث متوسط العمر المتوقع العالمي، ومجموع ثروات العالم، والمستوى الإجمالي للتكنولوجيا، وتوقعات النمو في الاقتصادات الناشئة، وتوزيع الدخل العالمي، فإن الأمور تبدو طيبة، ولو أنها تبدو سيئة على أبعاد أخرى ــ ولنقل الانحباس الحراري العالمي أو التفاوت في الدخول على المستوى المحلي وتأثير ذلك التفاوت في التضامن الاجتماعي للبلدان. حتى على بُعد الدورة التجارية، كانت الظروف أسوأ كثيراً في الماضي مقارنة بما هي عليه اليوم. ولنتأمل هنا أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين وعجز اقتصادات السوق آنذاك عن تحقيق التعافي من تلقاء نفسها، نظراً للعبء المتمثل في البطالة الطويلة الأجل. لكن رغم أننا لم نصل إلى تلك النقطة اليوم، فإن الكساد الأعظم ليس أقل صلة بحالنا اليوم، وذلك لأنه بات من المرجح على نحو متزايد أن تتحول البطالة الطويلة الأجل إلى عائق مماثل للتعافي في غضون العامين المقبلين. فعند أدنى نقطة في فصل الشتاء من عام 1933، كان الكساد الأعظم بمثابة شكل من أشكال الجنون الجماعي. فكان العاملون عاطلين عن العمل لأن الشركات توقفت عن توظيفهم؛ وكانت الشركات متوقفة عن تعيين العاملين لأنها لم تر سوقاً لمنتجاتها؛ ولم تكن هناك سوق للناتج لأن العاملين لم يكن لديهم دخول ينفقونها. وعند تلك النقطة، تحول قسم كبير من البطالة إلى بطالة طويلة الأجل، وهو الأمر الذي أسفر عن اثنتين من العواقب. الأولى أن تحمل عبء الانحدار الاقتصادي لم يكن بالتساوي. فلأن أسعار المستهلك هبطت بسرعة أكبر من هبوط الأجور، فإن هؤلاء الذين ظلوا في وظائفهم ازدادوا رفاهية أثناء أزمة الكساد الأعظم. وكانت الأغلبية العظمى من المعاناة من نصيب هؤلاء الذين أصبحوا عاطلين عن العمل وظلوا كذلك. والثانية أن إعادة إدماج العاطلين عن العمل حتى في اقتصاد السوق العامل بسلاسة مهمة بالغة الصعوبة. فكم عدد أصحاب العمل الذين لا يفضلون قادماً جديداً على قوة العمل مقارنة بشخص ظل بلا عمل لسنوات؟ وبفعل حقيقة بسيطة مفادها أن الاقتصاد خضع أخيراً لفترة من البطالة الجماعية فقد بات من الصعب للغاية العودة إلى مستويات النمو وتشغيل العمالة التي يمكن الوصول إليها عادة كأمر شبه مؤكد. والواقع أن أسعار الصرف المخفضة، والعجز المعتدل في الموازنات الحكومية، ومرور الوقت، كل هذه العلاجات بدت غير فعّالة بالقدر نفسه. وفي الولايات المتحدة في نهاية المطاف، كان اقتراب الحرب العالمية الثانية وما ارتبط بذلك من طلب على السلع العسكرية هو الذي دفع أصحاب العمل في القطاع الخاص إلى تعيين العمال الذين ظلوا عاطلين عن العمل لفترات طويلة وبأجور مقبولة. لكن حتى اليوم، لا يستطيع خبراء الاقتصاد أن يقدموا تفسيراً واضحاً للسبب الذي جعل القطاع الخاص عاجزاً عن إيجاد السبل لتعيين العاطلين عن العمل لفترات طويلة على مدى العقد الذي بدأ بشتاء 1933 وانتهى إلى التعبئة الكاملة للحرب. ففي مستهل الأمر، بحث العاطلون عن العمل لفترات طويلة أثناء أزمة الكساد الأعظم بكل جد وبصبر نافد عن مصادر بديلة للعمل. لكن ستة أشهر أو ما إلى ذلك مرت من دون النجاح في العودة إلى تشغيل العمالة، مال العاطلون عن العمل إلى الإحباط والذهول. وبعد سنة كاملة من البطالة المستمرة ظل العامل المتوسط العاطل عن العمل يبحث عن وظيفة، لكن بأسلوب متقطع، ومن دون كثير من الأمل. وبعد عامين من البطالة، فقد العامل الذي توقع أن يكون في نهاية أي طابور توظيف أي الأمل، وأسباب عملية ترك سوق العمل. كان هذا نمط العاطلين عن العمل لفترات طويلة في أزمة الكساد الأعظم. وكان أيضاً نمط العاطلين عن العمل لفترات طويلة في غرب أوروبا عند نهاية ثمانينيات القرن العشرين. وفي غضون عام أو عامين سنشهد النمط نفسه مرة أخرى للعاطلين عن العمل لفترات طويلة في منطقة شمال الأطلسي. لقد ظللت أزعم لأربعة أعوام أن المشكلات المرتبطة بدورات العمل لدينا تدعو إلى المزيد من السياسات النقدية والمالية الأكثر توسعا، وأن أكبر مشكلاتنا قد تتلاشى بسرعة إذا تبنينا مثل هذه السياسات. ولا يزال هذا صحيحا، ولكن على مدى العامين المقبلين، لو لم يحدث انقطاع مفاجئ وغير متوقع للاتجاهات الحالية، فسيصبح هذا الرأي أقل صحة. إن الرصيد الحالي من الاحتمالات هو أن إخفاقات سوق العمل الرئيسة في منطقة شمال الأطلسي لن تكون بعد عامين من الآن إخفاقات سوق مرتبطة بجانب الطلب ويمكن علاجها بسهولة من خلال الاستعانة بالمزيد من السياسات القوية لتعزيز الناشط الاقتصادي وتشغيل العمالة. بل إنها ستتحول إلى إخفاقات بنيوية للسوق ترتبط بالمشاركة التي لا يمكن تطويعها لأي علاج بسيط وسهل التنفيذ. خاص بـ «الاقتصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.
إنشرها