Author

الكرم العربي والإحسان إلى الفقراء

|
ما تعريف الكرم العربي الذي يود كل منا أن يتصف به سلوكيا؟ هل هو نحر الخرفان النجدية مرتفعة الثمن عندما ''ِيلْفي'' عليك ضيف من الأقارب أو الاصدقاء أو المعارف، وتقديم ما يكفي لخمسين رجلا أمام أقل من 15 رجلاً ثم ترمي بالفائض في سلة المخلفات؟ أم هو ما يقدَّم في حفلات الأعراس من أنواع المأكولات التي تفيض عن حاجة الضيوف بمرات عدة والمتبقي يذهب في كثير من الأحيان إلى مَجمَع الفضلات؟ وهل هو كثرة البذخ والصرف على الملذات المعيشية والترفيهية والرحلات السياحية والإسراف في جميع شؤون الحياة؟ فنحن نشاهد، على سبيل المثال، منْ يلزم نفسه بشراء ذبيحتين أو ثلاث من أجل إقامة مأدبة عشاء لصديق أو قريب قادم، وذلك عن طريق الاقتراض لعدم قدرته المالية .. فهل نسمي ذلك كرماً؟ الكرم، بمعناه الحقيقي، يجب أن يشمل العطف والرحمة تجاه ضيوف في بلادنا حدَّهم الفقر والعوز إلى مغادرة بلدانهم وترك أهليهم وأولادهم ليأتوا إلى بلادنا ويؤدون أنواعاً مختلفة من الأعمال الحرفية والمهنية تحت ظروف مناخية صعبة وبرواتب متدنية، تصحبها أحياناً معاملة قاسية من قِبَل الكفيل. وأقرب مثال على ذلك عمال متعهدي النظافة الذين لا تتجاوز مرتباتهم الشهرية 400 ريال مقطوعة. لا يدري الواحد منهم هل يوفر منها ما يكفي لإعاشة أهله وأولاده الذين ضحوا بغيابه عنهم سنوات طويلة أم يجمع الفائض عن حاجته لإيفاء الدين الذي في رقبته عندما اختار الحضور إلى هنا؟ ناهيك عما يتعرضون له في كثير من الأحيان - مع الأسف الشديد - من معاملة غير إنسانية من الكفيل تتمثل في تأخير تسليم الرواتب ومن نظرة دونية من قِبَل بعض أفراد المجتمع، مع شيء من التَكَبُّر والاحتقار، وكأننا ما شاء الله صفوة الخلق. فهؤلاء المساكين في الواقع يستحقون منا الاحترام والرأفة والرحمة والكرم وتقدير وضعهم وحالهم. وهم أولى من غيرهم بالصدقات، فهم بمثابة الجار الذي له حق علينا، وأوصانا القرآن الكريم ونبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والتسليم - بالتصدق عليهم. معظم أفراد المجتمع، هداهم الله، لا يُدركون أمراً بدهياًّ، وهو أن هؤلاء الوافدين البؤساء ذوي الدخل الضئيل، يشاهدون بأم أعينهم ما نحن عليه من أنواع النِّعَم ويشهدون على إسرافنا المُتَعمَّد أمامهم وأمام الله. وتكفي مشاهدتهم أنواع وموديلات المركبات الفاخرة التي تقف عند أبواب منازلنا، ولا يخفى عليهم أن قيمة الواحدة منها يتعدى مئات الألوف من الريالات، مع ضآلة مُرتباتهم التي لا تتعدى بضعة مئات من الريالات. وهم يراقبون حركاتنا اليومية، بقصد أو دون قصد، ويعرفون طرق معيشتنا والبذخ الذي نمارسه من كثرة فضلات الطعام التي نرمي بها يوميا في أماكن تجميع المخلفات. فليس هناك أدنى شك في أن ذلك سيثير في نفوسهم شيئا من الغبطة على ما نحن عليه وحسرة على ما هم عليه من الفقر ونحن كلنا خلق الله، خصوصا عندما يتذكرون حال أولادهم وأهليهم الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم. والسؤال الذي ربما نطرحه على أنفسنا، ما الذي يجب علينا أن نعمله تجاههم حتى نستطيع إطفاء النار المتأججة في صدورهم؟ أم الأفضل أننا لا نبالي بشعورهم ونغمض أعيننا عن نظراتهم الحادة ونواصل حياتنا المترفة ونُردد ''عين الحسود فيها عود''؟ ديننا الحنيف يحثنا على أن نكون رحماء بيننا، أي مع كل من يعيش معنا. وإذاً، فلا مهرب من أن نحسن إليهم ونتصدق عليهم ونواسيهم عن طريق حسن المعاملة والرفق بهم وعدم احتقارهم بسبب طبيعة الأعمال التي يؤدونها وإلقاء السلام عليهم، اقتداء بسيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام. ثم لا ننسى قول ربنا - سبحانه وتعالى - في محكم كتابه: ''إن أكرمكم عند الله أتقاكم''، ولم يقل جل شأنه: أكثركم مالاّ ولا أشرفكم نسباً، فكلنا من آدم وآدم من تراب. فلا يصح على الإطلاق أن نقول أو نعتقد أننا أفضل منهم بأي حال من الأحوال، إلا في حالة واحدة، وهي ضعف الإيمان. لكن أين العقول النيرة وأين الإيمان بالله واتباع ما أمر به أن يُتَّبع. والله - سبحانه وتعالى - له حكمة من خلق سلالة الإنسان مُختلفين، وليجعل بعضنا لبعض سخرياَّ. وكما قال نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ما معناه: الدين المعاملة، وهذه ثقيلة على منْ لا يدرك معناها ومغزاها. ومن أوجب الواجبات علينا نحو هذه الفئة من المُستخدَمين أن نمدهم بما يتوافر لدينا من شربة الماء خلال أيام الصيف الحارَّة إلى فائض الطعام. وأعلى مراتب الإحسان إليهم دون شك وضع ما يتيسر من النقود في أيديهم الجافة دونما مِنة ودون أي نوع من التعالي أو الاستكبار. فقد شاهدت بعض الإخوان الذين منَّ الله عليهم بالهداية وبكثير النِّعَم يضعون جزءا من زكاة أموالهم وصدقاتهم من فئة العشرة ريالات في مكان ما في المركبة التي يستخدمها. وعندما يمر الواحد منهم بفرد أو مجموعة أفراد من تلك العمالة الفقيرة يُلقي عليهم السلام ويمد يده إليهم بما يَقسِم الله، جزاهم الله كل خير وتقبل منا ومنهم صالح الأعمال. وربما أن الكثيرين منا لا يدركون مدى راحة البال ورضا النفس عند ممارسة مثل هذه العادات الطيبة وفعل الأعمال الخيرية. وغني عن القول أن هذه الأفعال أمام الأبناء تترك لديهم أثراً إيجابياًّ نحو معاملتهم للآخرين والرأفة بالفقراء والمعدمين. وهذا الحديث ينطبق على السائقين وعاملات المنازل، فهم أيضا قريبون منا ويعيشون بيننا ولهم علينا حق الجيرة. وبمناسبة ذكر العاملات، فهلا طرأ على بالكم كيف أننا نستخدمهن لساعات طويلة، قد تزيد على 15 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وبالراتب نفسه؟ أي عدل هذا؟ ألا نخاف الله فيهن ونعطف عليهن ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؟ ونحاول التصدق عليهن بما تجود به النفس.
إنشرها