Author

الخطوط السعودية.. هناك مشكلة

|
العنوان يعكس حالة من السلبية الإدارية واللا مبالاة المهنية وثقافة تنظيمية مبنية على التراخي وعدم انضباط في إدارة الخطوط السعودية. ولب المشكلة والتحدي الكبير الذي يواجهه الناقل الوطني هو عدم الاعتراف بوجود مشكلة والدليل استمرارها على النهج الإداري ذاته دون أن تلوح في الأفق أية بادرة في تغيير الوضع المتدني لمستوى الخدمة. الشعار الذي ترفعه الخطوط السعودية وتؤمن به قولا وعملا أنه ''ليس بالإمكان أكثر مما كان'' وهذه هي القاصمة وأساس الفشل في أي عمل، فالتوقف عن التطوير يعني التأخر عن منافسة الآخرين وهي منافسة عالمية تشتد ضراوة يوما بعد يوم في ظل ارتفاع الوعي الحقوقي للعملاء وتغير نمط استهلاكهم ومطالبهم وتوقعاتهم كما ونوعا وجودة وتوافر المعلومة بفضل التقدم الهائل في تقنية المعلومات. نجد ذلك التنافس الشرس واضحا في سوق الرحلات الدولية فلم تعد محصورة داخل الحدود الوطنية، وبالتالي لا يمكن احتكارها. ربما هذا يفسر تفوق شركات طيران خليجية على الخطوط السعودية في اجتذاب المسافرين السعوديين على الرغم من حداثة إنشائها. هذه الخطوط حديثة النشأة أصبحت عملاقا في صناعة الطيران خلال فترة وجيزة لا تتعدى عقدا من الزمان، بل إنها استطاعت اعتلاء سلم الترتيب العالمي والتفوق في جودة الخدمة وتقديم أسعار منافسة وفرضت نفسها بسمعة وصيت يطبق الآفاق. لقد أصبحت هذه الشركات الخليجية الصغيرة في عمرها الكبيرة في إنجازها مرجعية لمعيار الجودة والسعر، بينما ظلت الخطوط السعودية للأسف تعاني الترهل والتضخم البيروقراطي وجمود التفكير والمراوحة في المكان ذاته دون إدراك لحجم المشكلة والأسوأ عدم الاعتراف بوجودها وهي تتزايد وتكبر. الخطوط السعودية التي مضى على إنشائها ما يقارب 70 عاما لم تبن خبرة وتميزا يساوي هذه السنوات الطويلة. والسبب يعود إلى إدارتها بتنظيم حكومي وأسلوب بيروقراطي فكل شيء على الورق جميل لكن الواقع عكسه تماما. ولذا قد تكون هناك تقارير وتقييم للأداء، ولكن قد يعد بطريقة شكلية لا يعكس واقع الحال التي يمكن وصفها بالفوضى الإدارية والاعتماد على الاجتهادات الشخصية والفزعة. وعندما تكون الإجراءات مشخصنة وليست في إطار مؤسسي تقدم الخدمة بمزاجية فتمنع الخدمة عن البعض وتمنح لآخرين دون وازع مهني وأخلاقي. تصرفات بعض منسوبي الخطوط السعودية يخرج عن نطاق المهنية ويتعامل مع العملاء باستعلاء وبخطاب غير مقبول مهنيا، فضلا عن أنه يخرج عن اللياقة ولا ينسجم مع القيم الاجتماعية. وعندما تصل الحال في أن يتوسل العميل الخدمات الأساسية إلى درجة الاستجداء فثمة المشكلة بل المصيبة العظمى. هناك بطبيعة الحال موظفون متميزون ومجتهدون، ولكن يظل في دائرة اجتهادهم ومبادرتهم الشخصية في خدمة الناس وليس في إطار الواجب المؤسسي وداخل منظومة إدارية رسمية تحتم التعامل مع العملاء على أساس معايير محددة تضمن الجودة. فعلى سبيل المثال لو أخطأ أحد الموظفين أو تلكأ في تقديم الخدمة لم يجد العميل سبيلا لمقاضاته بسبب الشللية وسيطرة مفهوم تقديم الحد الأدنى من الخدمة وتجذر ثقافة ''احمد ربك''، حتى أصبح هم المسافر ضمان حقه في الصعود إلى الطائرة وأن يحظى بمقعد ولن يصدق ذلك حتى تقلع الطائرة! أما الخدمات داخل الطائرة فأقل ما يقال عنها إنه تعامل يفتقد المهنية وكأنما المسافرون منحوا تذاكرهم بالمجان! وهذا ما يجعل السعوديين المسافرين على بعض الخطوط الخليجية ينبهرون من مستوى الخدمة في أدق تفاصيلها ويحسون الفرق الشاسع بينها وبين خدمات الخطوط السعودية التي تفتقد الإعداد الذي يعكس أهمية المسافر واحترامه وتقديره. وإن كانت المشكلات السلوكية والثقافية التي يصعب السيطرة عليها وتحتاج زمنا طويلا لتغييرها، فهناك مشكلات فنية إجرائية بحتة لا تحتاج تفكيرا كبيرا ويمكن استنساخ ما توصل إليه الآخرون في التعاملات الإلكترونية ورفع كفاءة الموظفين بالتدريب والتطوير حتى لا تستغرق التعاملات وقتا طويلا. النظام الإلكتروني يختزل في عمليات شراء محددة ولا يمنح اختيارات كثيرة، وبالتالي يلزم العميل للحضور شخصيا إلى مكتب الخطوط والانتظار في صف طويل لإنهاء إجراءات كان من المفترض إنهاؤها عبر الموقع الإلكتروني. ومع تجشم عناء الحضور هناك احتمالية ألا يتم ما جاء العميل من أجله لأسباب مضحكة ومبكية. على سبيل المثال من أجل إنهاء عملية استرداد مبلغ تذكرة سفر قد لا يتحقق بحجة نفاد النقد في الصندوق! مع أن العميل اشترى التذكرة من الموقع باستخدام البطاقة الائتمانية لكن الموقع لا يتيح لك استرجاع التذكرة أو حتى تعديل مسار الرحلة، ولكن يلزم العميل التفضل بزيارة أحد مكاتب الحجز والمبيعات! هذا يزيد تكلفة تقديم الخدمة وترديها في الوقت نفسه! الخطأ وارد في جميع الأعمال وقد يكون من المقبول وقوع أخطاء وليدة الموقف لم تكن في الحسبان على الرغم من الاجتهاد في تحقيق جودة عالية لكن الإشكالية في تكرر الأخطاء والإصرار على السير في الاتجاه ذاته دون محاولة لتصحيح الأمور والارتقاء للأفضل. ما زال الجميع يأمل أن تكون هناك نقلة نوعية في الخطوط السعودية بحيث تبحث الخدمة عن العميل بدلا من العكس. الخطوة الأولى والرئيسة في الانعتاق من هذا الوضع الإداري البائس هو الاعتراف بوجود المشكلة والعزيمة على صناعة قرارات جريئة وحازمة وإحداث تغييرات جذرية ووضع معايير صارمة ومعاقبة المقصرين خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من الشباب المؤهلين الراغبين في العمل. ويبقى السؤال: متى تعترف الخطوط السعودية بوجود المشكلة؟
إنشرها